وداعا للقائمة الوطنية

في المطبخ الحكومي عمل صامت، لوضع تصورات حول مشروع قانون جديد للانتخاب، وذلك وفق ما التزمت به الحكومة في حزمة الإصلاح التي وعدت بتقديمها لمجلس الأمة خلال عمر المجلس النيابي الحالي (السابع عشر).
الحكومة وهي تعمل على مسودة لمشروع قانون الانتخاب تعرف، ونحن نعرف أنها ليست وحدها فقط الجهة المسؤولة عن وضع تصورات للقانون، وأن هذا الموضوع محكوم بمطبخ سياسي أوسع وأشمل منها (الحكومة) تشارك فيه جهات من مواقع مختلفة.
ولكن لا بأس كمقدمة أن يبدأ المطبخ الحكومي بالعمل، ويقدم رؤيته وتصوراته للمشروع الجديد، ومن ثم يتم عرضه على المطبخ الأكبر الذي له كامل الحق في أن يقرر ويعدل ويضيف.
ما يرشح من مطبخ الحكومة يشير إلى أن مشروع القانون الجديد للانتخاب يكاد يكون جاهزا (إن لم يكن جاهزا بالفعل وتم رفعه للمطبخ الأكبر) ويتضمن تخفيض عدد مقاعد المجلس النيابي من 150 مقعدا إلى ما يقرب من 128 مقعدا، وإعادة النظر بالصوت الواحد بحيث يصبح للناخب صوتان، رغم أن هناك دفعا باتجاه أن يكون للناخب 3 أصوات وفق القوة التصويتية لأقل دائرة انتخابية وهي العقبة، ويتضمن التعديل المقترح شطب القائمة الوطنية التي اعتمدت في القانون الذي جرت بموجبه انتخابات 2013، والتي أفرزت المجلس النيابي الحالي، وخصص لها وقت ذاك 27 مقعدا.
التوجه الحكومي العام (قد تشاركها فيه جهات أخرى) يذهب باتجاه شطب القائمة الوطنية من المشروع الجديد باعتبارها لم تفِ بالغرض، ولم تشهد نجاحات تذكر، بحسب أطراف حكومية.
أعتقد أن في هذا الكلام التفافا على الحقيقة، والبقاء في ملعب المراوغة، والتملص من الإصلاح، فالقوائم الوطنية عمليا  وبغض النظر عن المخرجات كانت جزءا من عملية الإصلاح، وكان الأجدر التفكير بطريقة تطويرها وليس شطبها، والتطوير يأتي من خلال ترك القوائم للأحزاب وجعلها قوائم حزبية وتوسيع عددها لتصبح 50 مقعدا أو نصف عدد أعضاء المجلس النيابي، فهذا هو الحل الكفيل بإخراج حكومات برلمانية إن كنا حقا نريد أن نصل لتلك المرحلة.
قد يقول قائل إن النص على قوائم حزبية غير دستوري، وهذا كلام ربما يكون صحيحا، وللحيلولة دون الوقوع في إشكالية الدستورية من عدمه، ما الضرر أن يتم تعديل الدستور للخروج من هذا المأزق وخاصة أن مثل هكذا تعديل لا يتطلب الكثير من الوقت أو الجهد، وهدفه نبيل وإصلاحي، وبالتالي فإنه سيكون مرحبا به عند أوساط نيابية وسياسية واجتماعية وحزبية وغيرها.
إلغاء القوائم الوطنية كما يرشح انتكاسة للإصلاح وعودة للوراء، ولا يجوز أن يتم القياس على تجربة القوائم الوطنية الحالية، وجعل الموضوع مثالا لنا، فالشكل الحالي من القوائم الوطنية كان معروفا مسبقا بأنه سيفشل قبل أن يطبق، وخاصة أنه تم ترك القوائم تفعل ما تريد، ولم يتم وضع ما يعرف بـ"العتبة" التصويتية المتعلقة بالأصوات لتأمين حصول أي قائمة على مقعد نيابي.
الحل ليس بالتراجع عن الأفكار الإصلاحية والعودة لمربع المحافظة والتقوقع، وإنما في الحفاظ على الأشكال التي تم إضافتها وتطويرها، والقوائم الوطنية جزء من مفهوم الإصلاح المنشود، الذي طالما بحثنا عنه، ولا يجوز العودة عن إصلاح بدأنا به، وإنما يتوجب تطويره والتطوير يأتي من خلال تحويل القوائم الوطنية لقوائم حزبية، ومنحها عددا أوفر من المقاعد، والنص على وجود رقم معين من عدد أصوات الناخبين لكل قائمة يتوجب اجتيازه حتى تؤمن القائمة الحصول على مقعد نيابي.
أما العودة لأشكال ماضية، فإنه تأكيد على إننا لا نريد إصلاحا، وإننا نسعى للبقاء في نفس الحلقة، نلف وندور حول بعضنا بعضا من دون أن نتقدم خطوة للإمام، وأجزم يقينا أن الأردن لا يحميه إلا مزيد من الديمقراطية والإصلاح الحقيقي المبني على الديمقراطية، وتعزيز دولة القانون وحقوق الإنسان والمواطنة، وبخلاف ذلك سنبقى بلا هدف وبلا عملية إصلاح منتجة.