تـنظيمـات إسـلاميـة عـابـرة للحـدود - الحلقة السابعة عشرة


مقدمة لا بد منها
كتابي السابع عشر هذا « التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود « يصدر في سياق تفاقم حالة الصراع في العالم العربي واحتدامه بشكل عبثي ودموي، بعد انفجار ثورة الربيع العربي التي توسلت البحث عن : 1- التحرر والاستقلال، وامتلاك زمام المبادرة وحرية اتخاذ القرار، 2- الطمأنينة ولقمة العيش الكريم متضمنة ثلاثة مطالب أساس يفتقدها المواطن العربي هي الراتب المناسب، التأمين الصحي، والضمان الاجتماعي عند التقاعد والوصول إلى الشيخوخة، و3- الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع، ولذلك جاءت كتبي في سلسلة قضايا ثلاث رئيسة متداخلة، سلسلة الكتب الأردنية تحت عنوان : معاً من أجل أردن وطني ديمقراطي، وسلسلة الكتب الفلسطينية تحت عنوان : معاً من أجل فلسطين والقدس، وسلسلة الكتب العربية تحت عنوان : من أجل عالم عربي تعددي ديمقراطي موحد .
وكتابي السابع عشر هذا مرتبط بكتابين، سبق نشرهما، وهما: 1- حزب الإخوان المسلمين في الميزان، و2- الدور السياسي لحركة الإخوان المسلمين، في إطار تنظيمات وأحزاب التيار الإسلامي، تأكيداً لدورهم ومكانتهم وقيادتهم للحركة السياسية في العالم العربي، في غياب أحزاب التيار اليساري، وأحزاب التيار القومي، وأحزاب التيار الليبرالي، التي تضررت بفعل الحرب الباردة ونتائجها .
كما جاء كتابي هذا على خلفية كتابي الذي صدر العام 2013 عن ثورة الربيع العربي أدواتها وأهدافها، وحصيلتها أن الثورة ما كانت لتكون لولا توافر العامل الموضوعي المحفز للاحتجاجات والدافع لها والمتمثل بغياب الاستقلال السياسي والاقتصادي عن بعض البلدان العربية، وهيمنة اللون الواحد، والحزب الواحد، والعائلة الواحدة، والطائفة، والشخص الفرد المتحكم بمفرده في إدارة الدولة، في أكثر من بلد عربي، وأخيراً بسبب غياب العدالة والطمأنينة وعدم توافر الخدمات الأساس من صحة وتعليم وضمانات اجتماعية للمحتاجين .
أما العامل الذاتي في ثورة الربيع العربي، فقد اقتصر على مؤسسات المجتمع المدني بما تحمل من مفاهيم عصرية عن الديمقراطية والتعددية واحترام مشاركة المرأة في مؤسسات صنع القرار، وبما تملك هذه المؤسسات ( مؤسسات المجتمع المدني ) من علاقات مع مؤسسات أوروبية وأميركية توفر لها الحصانة والدعم المطلوبين، ولكن بسبب غياب دور الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، فقد استثمرت أحزاب التيار الإسلامي حصيلة الربيع العربي ونتائجه كي تكون هي صاحبة القرار، سواء عبر تفاهمها مع الأميركيين، أو عبر حصولها على الأغلبية البرلمانية كما حصل في فلسطين والعراق ومصر وتونس والمغرب، أو لامتلاكها الخبرات القتالية على أثر دورها في أفغانستان، ورغبتها في التغيير الثوري الجوهري، فاحتكمت إلى وسائل العنف واستعمال السلاح لمواجهة الاحتلال الأميركي للعراق، او لإسقاط النظم القائمة في ليبيا وسوريا واليمن، وحصيلة ذلك إخفاق ثورة الربيع العربي للآن، رغم توافر العامل الموضوعي ونضوجه لقيام الثورة، تغييراً للواقع، نحو الأفضل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الإخفاق الفاقع يعود لعدم نضوج العامل الذاتي، وكثرة نواقصه، وعدم اكتماله، بصفته أداة الثورة ومحركها، وطالما أن العامل الذاتي كان ناقصاً، ولم تكتمل حلقات نضوجه، فقد انعكس ذلك على ضعف أدائه وعلى نتيجة أفعاله، فغياب أحزاب التيارات الثلاثة اليسارية والقومية والليبرالية وضعفها، جعل الوضع متروكاً لقوة ونفوذ أحزاب التيار الإسلامي، التي لا تؤمن لا بالتعددية ولا بالديمقراطية، ولا تملك البرامج الاقتصادية والاجتماعية الكافية، لجعلها أداة في يد عامة الناس، وهدفاً لها كي تلتحم مع الثورة وتلتف حولها، فانطبق على المواطن العربي المثل القائل أنه مثل الشخص الذي هرب من الدلف فوقع تحت المزراب، وغدت الأنظمة السابقة بعجرها وبجرها، هي أفضل حالاً مما وقع لاحقاً، من هيمنة ونفوذ وتأثير الأحزاب الإسلامية، وقيادتها للعمل السياسي وللتغيير الثوري، مسنودة بعواصم إقليمية، فحاضنة الإخوان المسلمين تركيا وقطر، وحاضنة ولاية الفقيه الدولة الإيرانية؛ ما خلق حالة من الصراع الإقليمي والدولي المباشر في منطقتنا، وعلى أرضنا، وعلى حساب دماء شعبنا وثرواته .
إذن هذا الكتاب، ليس فلسفة معرفية، بل هو إضافة سياسية تراكمية، لوضع ثورة الربيع العربي في سياقها من أجل إنتصار الديمقراطية في العالم العربي، وتحقيق الطمأنينة بلقمة العيش الكريم بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وتحرير فلسطين .
هذا الكتاب يسلط الضوء على التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، أي أنه يستهدف القوى الإسلامية الأساس القيّا تأثيراً ومكانة في العالم العربي، ولا يستهدف تنظيمات إسلامية محلية في هذا البلد العربي أو ذاك، بصرف النظر عن قوتها أو ضعفها، بل هو يستهدف التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، والتي تعمل في السياسة، ولها تأثير على صنع القرار، أو على صنع الأحداث الجارية :
1- حركة الإخوان المسلمين . 2- ولاية الفقيه الإيرانية . 3- تنظيم القاعدة . 4- تنظيم الدولة الإسلامية داعش . 5- حزب التحرير الإسلامي.
لذا أرجو أن يقدم شيئاً جديداً، للقارئ، وللمكتبة العربية، وأن ينال الاهتمام كما يستحق، وفق الجهد الذي بذل وتحقق.
حمادة فراعنة *

ضحايا باريس من أبناء الديانات الثلاث
هل حصل هذا صدفة ؟ أم أن القدر لعب لعبته النبيلة في كشف المفترين والمدعين والمتطرفين ؟؟ هل حصل صدفة أن ضحايا عمليتي باريس ضد الصحيفة الفرنسية والمتجر اليهودي هم من المسلمين والمسيحيين واليهود، من أصحاب الديانات الثلاث، ثلاثتهم سقطوا ضحايا الارهاب العابر للحدود، حيث لا دين ولا قومية له، فالتطرف سلوك وأسلوب وخيار واحد سواء كان منفذوه من المسلمين أو المسحيين أو اليهود، وسواء استهدف المسلمين أو المسيحيين أو اليهود، فالذي سبق في باريس، جرى في باكستان حينما نفذت حركة طالبان عملية وصفتها بالجهادية ضد تلاميذ مدرسة جميعهم من المسلمين، وعلى أيدي « جهاديين استشهاديين « مسلمين، وكانت نتيجتها أكثر بشاعة مما جرى في باريس، بقتل 142 تلميذاً مع معلمين لهم أبرياء.
في باريس، تصدى عامل فرنسي مسلم من أصل جزائري لمنفذ العملية، في المتجر اليهودي، وحمى أرواح فرنسيين من اليهود، الى الحد الذي لم يستطع نتنياهو رئيس حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلية، تجاهل الواقعة والاشادة بدور العامل المسلم وشجاعته في التصدي لمنفذ العملية، وخلال هروب منفذي عملية شارلي ايبدو، تصدى لهما شرطي فرنسي مسلم، وقُتل على أيدي أولئك الذين وصفتهم داعش والقاعدة، على أنهم من المجاهدين .
نتنياهو الذي فرض نفسه على السلطات الفرنسية، لم يكن مرغوباً مشاركته في مسيرة الاحتجاجات التي دعا لها وقادها الرئيس هولاند، فرض نفسه بطريقة تطفلية، تفتقد للياقة وحُسن التصرف، في الصف الاول، لاظهار نفسه عُنوة، خدمة لأغراض متعددة أولها تغطية لجرائمه التي اقترفها ضد الشعب الفلسطيني منذ توليه رئاسة الحكومة لأول مرة عام 1996، وليس انتهاء بمحرقة غزة، في شهري تموز واب 2014 وسقوط مئات الضحايا من المدنيين وتشريد عشرات الآلاف من العائلات بعد تدمير بيوتهم .
كما أظهر مباهاته، كما جاءت في تصريحاته المستفزة للفرنسيين، من خلال محاولة تحريض الطائفة اليهودية لدفعها نحو ترك وطنها الفرنسي، للهجرة الى أرض الفلسطينيين ووطنهم، الذي لا وطن لهم سواه؛ ما يسبب مزيداً من المعاناة للشعب الفلسطيني، ومزيداً من الاحقاد، وتناقض المصالح، واستمرار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بدلاً من العمل على معالجته على طريق انهائه، والتوصل الى تسوية واقعية تضمن مصالح الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي .
عمليتا باريس، بضحاياهما من المسلمين والمسيحيين واليهود، لم تكن صدفة بل هي رسالة من السماء رداً على المتطرفين اليهود الذي يمثلهم نتنياهو، ورداً على المتطرفين المسلمين من تنظيمي القاعدة وداعش، ورداً على المتطرفين المسيحيين الذين يقودون المظاهرات ضد المسلمين في فرنسا وبعض البلدان الاوروبية، ورسالة القدر تنبه المؤمنين التقاة أن الاخوة والصلة والايمان لا صلة لها بالارهاب والتطرف والتحريض الارعن، وها هم ضحايا عمليتي باريس يثبتون ذلك، لقد سقطوا ضحايا الارهاب الذي لا يفرق في ارتكابه لجريمتي باريس، بين المسلم والمسيحي واليهودي .
محاولات نتنياهو الانتهازية لها خلفية صهيونية، ومرجعيتها قادة الحركة الصهيونية الذين وظفوا المحرقة والمجازر التي ارتكبها النازيون الالمان، والفاشيون الطليان، ضد اليهود قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، مع أن جرائم النازيين والفاشيين لم تقتصر على اليهود، بل شملت الشعوب الاوروبية كافة، وسقط ضحيتها خمسون مليوناً من البشر، بسبب تلك الحرب ودوافعها وعملياتها، ومع ذلك تم توظيفها لتنفيذ المشروع الصهيوني على أرض فلسطين العربية .
ألاعيب نتنياهو لن تنطلي لا على الفرنسيين ولا على الناخبين الاسرائيليين الذين يعرفون دوافعه، ولن تنخدع بها الطائفة اليهودية في فرنسا، التي تعيش مثل كل الفرنسيين في الاستقرار والطمأنينة، لأن فلسطين للمهاجرين الاجانب بأصولهم وقومياتهم المتعددة ليست أفضل حالاً من فرنسا وتقدمها وديمقراطيتها، ودلالة ذلك، أن الشعب الفرنسي بطوائفه من المسيحيين والمسلمين واليهود دفعوا ثمن الارهاب، الذي لم يفرق بينهم، وتعامل معهم كأعداء سواء كانوا من المدنيين أو عمالاً أو رجال شرطة مخلصين لمهنتهم ووظيفتهم، وبالتالي فهو لم يستهدف اليهود دون غيرهم بل سقط ضحيته فرنسيون من الطوائف كافة، بينما في فلسطين تُرتكب الجرائم ضد المسلمين والمسيحيين، بشكل متقطع ودائم، الى الحد الذي اعترف فيه المستوطنون اليهود في القدس أمام المحكمة، بحرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير حياً .

دوافع التطرف واحدة
يقول حاييم شاين، في مقالته المنشورة على صحيفة « اسرائيل اليوم « العبرية في 31/10/2014 تحت عنوان « من يمسك بالقدس، يمسك باسرائيل « يقول « أبو مازن، المحرض الرئيس، أخطر من ياسر عرفات، فهو يسعى الى اشعال القدس، كي يركز الانتباه على النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، وهكذا فهو يمد مساعدة سخية للقاعدة ولتنظيم الدولة الاسلامية، بتخفيض الضغط العالمي عنهم « .
ويبدو أن حاييم شاين وأمثاله، ممن يؤمنون بما كتب عن القدس، أنه وجماعته يجهلون حقائق دينية ومبدئية وحياتية نؤمن بها ونعيشها وهي أننا كمسلمين، نصلي خمس مرات في اليوم على الاقل وندعو « لسيدنا ابراهيم ولآل سيدنا ابراهيم « كما نصلي « لسيدنا محمد ولآل سيدنا محمد « فنحن نؤمن باليهودية وبالمسيحية كما نؤمن بالاسلام، ونحترم ونقدر ونعظم سيدنا موسى وسيدنا عيسى كما نفعل مع سيدنا محمد، وهذا مصدر ثقافتنا وقيمنا، وعدم عنصريتنا، وأن الديانات السماوية لدينا سواء، لأننا نؤمن بالله و» بكتبه ورسله «، والشيء المؤكد أن حاييم شاين وأمثاله يتجاهلون ذلك، واذا عرفوا حرّفوا، لاسباب ودوافع عنصرية استعمارية متطرفة، وهو يتحدث عن عائلته التي تعرضت للمحرقة في أوشفيتس، ويبدو أنه يجهل أو يتناسى أن معسكر أوشفيتس لم يكن في فلسطين، ولا في أي مكان في العالم العربي، وأن من قام بالمحرقة ليس من المسلمين، ومع ذلك فهو وحكومته وأحزابه من العنصريين والصهاينة، يعملون على تحميل الشعب العربي الفلسطيني، مسؤولية الجرائم التي اقترفت بحق اليهود في أوروبا التي جاء هو وأمثاله من المهاجرين الاجانب منها، جاءوا من أوروبا الى بلادنا، هرباً من اضطهاد الاوروبيين لهم، أو جاءوا مستعمرين وفاتحين كما فعل الاوروبيون في أميركا، وكأن فلسطين بلا شعب وتعاملوا مع الفلسطينيين، كما تعامل الاوروبيون مع الهنود الحُمر في أميركا، مثلما يجهل شاين وأمثاله أن الشعب الفلسطيني كان دائماً من المسلمين، والمسيحيين، واليهود، وكانوا يعيشون على أساس المواطنة والاخوة والعيش المشترك قبل أن تطأ الصهيونية ومشروعها الاستعماري أرض فلسطين، وتدمر قيم المحبة والاخوة والشراكة بين أهل فلسطين من المسلمين والمسيحيين واليهود .
كما أن حاييم شاين والاسرائيليين وأحزابهم وحكومتهم ونوابهم مثل رئيسهم نتنياهو الذي يجهل الواقع ومعطياته، وأن تطرف تنظيمي القاعدة وداعش، يستهدف السنة قبل الشيعة، والمسلمين قبل المسيحيين وقبل اليهود، وأن عدد الذين قتلوا وتم تصفيتهم على أيدي داعش ومن قبلهم على أيدي القاعدة، كان عدد المسلمين منهم أضعاف أضعاف الذين تم استهدافهم من أبناء شعبنا العربي من المسيحيين، وأن العرب الذين دفعوا الثمن أضعاف أضعاف شركاء المواطنة والحياة في سوريا والعراق من الاكراد ؟؟ .
ان ثقافتنا غير عنصرية، وليست طائفية، ونؤمن بالتعددية لسببين :
أولهما : لأن البشر خلقوا على أساس التعددية، وهذه طبيعة بشرية انسانية لا يستطيع أحد انهاءها أو الغاءها، وهي خارج ارادتنا .
وثانيهما : أن المجتمع العربي، بأغلبيته العربية، تشاركه الحياة، ثلاث قوميات رئيسية هي الاكراد والامازيغ والافارقة، اضافة الى تجمعات من الشركس والشيشان والارمن وربما غيرهم، ويتكون من ثلاثة أديان ولدت على أرض العرب على التوالي وهي اليهودية والمسيحية والاسلام، وبالتالي لا مجال للتضليل فيها أو التنصل منها، فثمة نائب يهودي في البحرين، ووزير يهودي في المغرب، وطوائف يهودية في العديد من البلدان العربية في اليمن وسوريا وتونس، وهم جزء أساس من شعبنا العربي ومن التعددية السائدة في بلادنا، فاذا قامت الحركة الصهيونية على العنصرية من أجل اليهود وضد الاخر، فالحركة القومية العربية، وفصائلها الوطنية، قامت على أساس التعددية والديمقراطية، ولهذا كانت قيادتها، من المكونات المتعددة الموجودة في العالم العربي، ولم تقتصر قياداتها على العرب أو على المسلمين، بل كانت خليطاً من مكونات المجتمع في العالم العربي، من عرب وأكراد وأمازيغ وأفارقة ومسلمين ومسيحيين ويهود ضد الاستعمار وضد الظلم وضد التخلف والعنصرية، كانت كذلك، وستبقى، لأننا كعرب نتوسل أن نعيش في كرامة وتعددية وديمقراطية، وهذا برز ويبرز من هوية قادة حركة التحرير العربية الذين فجروا معركة الاستقلال، وقادة الاحزاب القومية والاحزاب الشيوعية والاحزاب الوطنية في بلادنا، حيث تغلب عليهم التعددية انعكاساً للوعي وللواقع وللتاريخ .
واشنطن أسيرة للنفوذ اليهودي
يتوهم زلمان شوفال السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن، في مقال نشره على صفحات « اسرائيل اليوم « يوم 20/10/2014، تحت عنوان « الولايات المتحدة : الشؤون الخارجية في المركز « ومفاده أن السياسة الخارجية الاميركية، ستكون في صلب نتائج انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، يتوهم وربما يتمنى، بل ويعمل على اشاعة مضمون أن « نتائج الانتخابات في تشرين الثاني المقبل، ستكون لها أثارها، وتشمل الشؤون المتعلقة باسرائيل « ويقول « على الرغم من الثناء على الرئيس أوباما لتعاونه الامني، الذي لم يسبق له مثيل مع اسرائيل، فان واقع الفوضى في الشرق الاوسط، وخشية الاميركيين من أن يصل الارهاب الاسلامي اليهم، قد يؤثران تأثيراً ايجابياً في أهمية اسرائيل، باعتبارها حليفة استراتيجية لواشنطن « هذا ما يقوله أو يتمناه زلمان شوفال سفير المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي السابق في واشنطن، ولكن واقع الحال، والدراسات الاكاديمية المحايدة تقول غير ذلك، تماماً، بل وبالعكس من ذلك تماماً .
فالارهاب الاسلامي، والتطرف الاسلامي، كان ولا يزال احدى أهم دوافعه، الارهاب اليهودي والتطرف اليهودي، فالاجراءات والسياسات الصهيونية العنصرية الاسرائيلية اليهودية ضد مقدسات المسلمين والمسيحيين في فلسطين، والتوسع الاستيطاني التدريجي المتواصل لاسرائيل على حساب العرب والمسلمين والمسيحيين في فلسطين وسوريا ولبنان، والجرائم التي ارتكبها المشروع الاستعماري الاسرائيلي، والعجز العربي على مواجهتها، كان احدى وسائل التحريض، وأحدى الحوافز الجهادية للتنظيمات الاسلامية ضد أنظمة الحكم السائدة في العالم العربي، واخفاقاتها في معالجة التمدد الاسرائيلي وردع مشروعها الاستعماري .
وكان الدعم الاميركي، للمشروع الاستعماري الصهيوني العنصري الاسرائيلي اليهودي، هو العامل المنشط الثاني للتنظيمات الاسلامية الجهادية لمناهضة الاميركيين وأدواتهم وقواعدهم وعناصرهم وكل من يعمل معهم أو يؤيد سياستهم .
ولذلك من ضيق الافق أن يتحدث أحدهم خارج المعايير الاسرائيلية التوسعية المناهضة للمسلمين وللمسيحيين، عن زيادة التحالف الاميركي الاسرائيلي لمواجهة الارهاب الاسلامي وتطرف التنظيمات الاسلامية، ولو كان كذلك، لشاركت تل أبيب في التحالف الدولي المناهض لداعش وللقاعدة، ولو كان كذلك لقبل العرب أن تكون اسرائيل شريكاً في أي جهد ضد تطرف القاعدة وداعش، خاصة أن النظام العربي، يبحث عن أي جهد مهما بدا متواضعاً لاضافته للجهد الدولي المناهض للتنظيمات الاسلامية العابرة للحدود ودورها ليس فقط في سوريا ولبنان بل وفي اليمن وليبيا وينتشر ليشمل العديد من المناطق، فالمأزق العربي الاسلامي أوسع مما يجري في سوريا والعراق، بل يمتد مظاهره وتتسع تداعياته لتشمل خارطة الوطن العربي بأسره، بشكل أو بآخر، وأحد الاسباب التي ينظر لها العرب والمسلمون لظواهر التطرف الاسلامي يكمن فيما تفعله اسرائيل على أرض فلسطين ضد الشعب العربي الفلسطيني وضد مقدساته الاسلامية والمسيحية، ووصف الملك عبد الله، عاهل الاردن، الارهاب الاسلامي على أنه امتداد وردة فعل للارهاب الصهيوني، بوضوح وبلا مواربة، يدلل على مدى الغضب الذي يكنه العرب والمسلمين للأفعال الاستعمارية العنصرية الاحادية التي يقترفها المشروع الصهيوني اليهودي على أرض فلسطين، حيث لم يترك ولو لشريحة واحدة مهما بدت واقعية، من امكانية الرهان على التعايش وحُسن الجوار مع اسرائيل .
الولايات المتحدة لا تملك للآن شجاعة الاقتراب من فك تحالفها مع المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، وذلك يعود الى نفوذ الطائفة اليهودية في الولايات المتحدة وتحكمها في الاعلام أولاً وحاجة المرشحين لعضوية الكونغرس ومجلس النواب وحتى للرئاسة لتبرعات الاثرياء اليهود، وكذلك لأصواتهم الانتخابية، وهذه العوامل هي التي ما زالت تجعل سياسة الولايات المتحدة الخارجية أسيرة للرغبات والمصالح اليهودية والاسرائيلية، بينما بدأت أوروبا تتحرر من هذه السياسة، وبدأت الطوائف اليهودية في دول أوروبا تفقد نفوذها على سياسات البلدان الاوروبية، وهذا ما يجعل سياساتها الخارجية نحو فلسطين والعالم العربي، أكثر واقعية، بشكل تدريجي وتراكمي، وأكثر تفهماً للمصالح المشتركة الاوروبية العربية .