مدير الامن العام


ليس غريباً على مُدير الأمن العام عاطف باشا السعودي أن يُلغي كل مظاهر ومواكب التنقلات والحراسة في كل تحركاته ذلك لأنه لم يُلوث يديه بأموال الاردنيين ولم يعبث بمقدرات الوطن ولم ينهب منه شيئاً لذا فهو مطمئن البال مرتاح الضمير , ويذكرني هنا بشهيد الوطن وصفي التل رحمه الله وغفر له حين كان ينزل من سيارته حاملاً أوراقه وملفاته بيده دون هالة التعظيم والتبجيل التي يصنعها المسؤولين الفارغين في دواخلهم من القدرة على العطاء والبناء ويغطون خيباتهم بهذه المظاهر زيادة في التبجيل والتقدير , وارى أن زمن الاستعراض قد ولى من مخططات الرجل وأجنداته لأنه مقبل على العطاء والعمل وأنه يطبق القانون دون نزعةٍ تحملُ في طياتها حقداً على أحد أو كراهيةً لأحد , فأصعب ما يمكن القيام به هو المحافظة على علاقةٍ قريبةٍ مع الناس بذات الوقت الذي تحدُ فيه من حُرياتهم بتطبيق أحكام القانون عليهم , وأجزم هنا أن العين الثاقبة لجلالة الملك حفظه الله لم تَخب حين أختاره ليكون على راس هذا الجهاز المهم.
وليس جديداً عليه أيضا نزوله الى الشارع إما مُتخفياً أو ظاهراً ليرى مستوى الخدمة التي يقدمها الجهاز الذي يترأسه للأردنيين , فقد فعلها يوم أن قائداً لإقليم الشمال وهي تضفي على همته ومحبته لأبناء وطنه الكثير لأنه لا يبحث عن أمجاد أو شكر من هذا أو ذاك , تلك الفكرة التي أوعز بها جلالة سيدنا قائد البلاد وطلبها من كل أعضاء الحكومات المتعاقبة والتي ما زالت تُصر على أن يكون الأردنيين في واد وهم في واد آخر.
عاطف باشا السعودي الذي جاء من بلدة فقيرة عانت تهميش وظلم كل الحكومات كما هي كل المناطق النائية في الاردن إلا أنه امتلك قلباً أردني العشق والهوى أظنه سيلقي بكل ثقله في إزالة تهميش تلك المناطق وإزالة الفجوة بينها وبين بقية المناطق بالقدر الذي يمكنه أن يقدمه .
لقد عملتُ بمعية الباشا عام 2002 و كان يومها رئيساً لمركز أمن الشونة الجنوبية وكنتُ قائداً لوحدة الطوارئ الملحقة بالمركز ومن حسن الحظ أننا كنا جميعاً بالإضافة لمركز الدفاع المدني في محيطٍ واحدٍ مقسم لثلاث بنايات ,وكنت أجلس معه مقتنصاً قدر ما استطعت ما يقوم به من افعال على أصول القيادة المباشرة لأنني رأيت فيه قائداً ملهماً منذ ذلك الوقت , وكنا وزملاءنا الضباط اذا احتدم النقاش في قضية تتعلق بالعمل أو الحياة عُدنا اليه لنجد لديه جواباً مقنعا للكل بمستوى الصواب والفكر وليس بمستوى القيادة العسكرية الملزمة فقط , وفرقٌ كبيرٌ أن يُطيعك الناس لقناعتهم بما تقول وبين أن تلزمهم بما تُريد بقوة القانون.
أذكر يوماً أن ضابط الدفاع المدني جاء اليه في مكتبه طالباً إستخدام جهاز كي الملابس في المركز الأمني وذلك لعطل فني في جهازهم ويحتاج الى وقت لإصلاحه حيث قال موجها حديثه لي ولضابط الدفاع المدني:"انا موجود هنا لخدمة والوطن وانتم كذلك وجهاز الكي هو ملك للوطن ونستخدمه لنستطيع القيام بواجباتنا تجاه الوطن وثمنه مدفوع من نفس موازنة الدولة التي تنفق على الدفاع المدني أيضاً فالمال هو مال الوطن وكلنا شركاء في الوطن ومال الوطن ".
ومنها أيقنت تماماً أن الرجل يرى أن المال العام هو للوطن كله دون إستثناء وأنه ينبغى أن يكون إنفاقه ضمن الحدود دون إسراف أو تبذير , لأن قوله كان مثالاً واضحاً جلياً على طريقة ضبط وإنفاق المال العام بمستوى يعجز عنه كثيرون ممن يديرون أموال دولتنا.
لعمري إنها قاعدةٌ في إدارة وإنفاق المال العام لا يُدركها كثيرٌ ممن يتبجحون علينا صباح مساء في إدارة أموال الدولة وموازناتها هي تتضخم وتخنق أنفاس الاردنيين يوماً بعد يوم
كنتُ إذا زُرته في مكتبه يبادرني بالسؤال عن المجموعة التي أرأسها : " احمد كيف الشباب عندك " وكنت أجيبه جواب مسئولينا اليوم حين يسألهم جلالة الملك أطال الله عمره عن الرعية قائلين "كله تمام يا سيدي" فيبادرني مرة اخرى بقوله : " إسمع ترى أولاد الناس أمانه في رقابنا وسوف يسألنا ربنا عنهم يوم القيامة "
وكان يقول ذلك كلما شرفني بزيارة لمكتبي بين الحين والآخر لتفقدنا وكان الافراد والضباط يُعجبهم ويغمرهم الفرح حين يسأل عنهم مما حدا بأحدهم يومها أن يتوجه للقبلة رافعا يديه قائلا :"الله يا رب اشوفك مدير أمن يا عاطف السعودي" وأظن ان الرجل كان مخلصا في دعائه .
ووصلتُ الى قناعةٍ كاملةٍ يومها أن المسؤول الذي يَعزلُ نفسه عن أبناء الوطن إنما هو خاسرٌ لدينه ودنياه , فلا هو بالمأجور في أُخراه ولا بالممدوح في دُنياه .
وها هو اليوم مديراً للأمن العام فهنيئاً لكل منتسبي هذا الجهاز الكريم ولكل من يعملون بإمرة الباشا فهو إبن الجهاز وخرج من رَحِمه ويعرفُ خباياه ومعاناته وكل ما يرقى به ويؤثر عليه سلباً وإيجاباً , حمى الله الوطن والقائد ووفق الله عاطف باشا لخير الوطن وأهله.