تفجير «القنصلية».. بعد «غزوة» الشيخ زوَيّد!

مرة اخرى يضرب الارهاب في القاهرة بعد ان «نجح» في اغتيال النائب العام هشام طلعت بسيارة مفخخة، سجّل فيها نقطة لصالحه، ظن من خلالها الذين يقفون من وراء هذا الارهاب الموصوف، تخطيطاً وتمويلاً وتضليلاً اعلامياً ودعماً لوجستيا، انهم بذلك يؤسسون لتيار ارهابي كبير (بحاضنة شعبية) يمكنه ان يُقوَض الأمن في مصر، وان يأخذها الى الفوضى وسفك الدماء والعنف، الأمر الذي يسمح لهم بموطئ قدم في ارض الكنانة ويؤهلهم للعودة الى التحكّم بمصر بعد ان فشلوا في حكمها، منذ ان اختطفوا ثورة 25 يناير، وتواطؤوا مع عواصم دولية واقليمية لنيل شهادة «الشرعية» التي طالما حلموا بها، ولم يثقفوا ذات يوم بشعبهم وأمتهم، بل كانوا على الدوام يُيمّمِون وجوههم شطر الرعاة والممولين عبر المحيطات، سواء كانت الأم «الأولى» بريطانيا أم تم استبدالها بالأم الحنون الجديدة... واشنطن.. ما بالك ان سلطاناً عثمانياً بجبة اسلاموية جديدة، قد فتح حساب اعتماد لإخوان مصر، كي يستعيد هيمنته على العرب من خلال دولتهم الاكبر والأهم بل ورمز القوة والعنفوان العربي وهي.. مصر؟
تفجير السيارة المفخخة قبالة القنصلية الايطالية في وسط القاهرة، وبربع طن من المتفجرات وخصوصاً في وضح النهار، يشي بأن ثمة خلايا نائمة عديدة، قد طُلب منها الافاقة من نومتها لنشر الرعب والفوضى في صفوف المصريين في العشر الاواخر من رمضان، رغم ان الشهر الفضيل لم يخلُ من حوادث ارهابية عديدة طالت رجال الشرطة والجيش وقبلهم القضاة ومعسكرات الجيش في سيناء، وكانت «غزوة» الشيخ زويد الفاشلة... ذروتها، بكل ما حملته من دلالات واشارات حول طبيعة المخطط الاجرامي الذي ينتهجه ارهابيو «ولاية سيناء» الذين ارادوا اعلان «إمارتهم» في بلدة الشيخ زويد، وايضاً بما هي رسالة واضحة، بأنهم باتوا على درجة عالية من التخطيط والقوة ويتوفرون على عتاد وأسلحة متنوعة وحديثة، الأمر الذي يستبطن ايضاً وجود قنوات دعم تسليحي ولوجستي متمكنة وعديدة، توفر لهؤلاء القتلة كل أسباب القوة التي تُمكنهم من مقارعة الجيش المصري وتهديد عديده وصولاً الى شن هجمات منسقة، تطال معسكرات ونقاط تجمعه وكمائنه، على نحو يُمكنّهم من «إحتلال» بلدة كبيرة مثل الشيخ زويد، بكل ما ينطوي هذا التطور من دلالات نفسية وسياسية وخصوصاً في سيناء التي تبدو مُحاصرة، لكن جموع الارهابيين تستفيد من تضاريسها وبنيتها الاجتماعية وتكوينها العشائري، الميّال الى العزلة وخصوصاً البعيد عن مركز الدولة وربما المُستبعد من خطط التنمية والمشاركة في الحياة السياسية والتواصل مع مراكز صنع القرار، سواء عبر المحافظين وخاصة في محافظة شمال سيناء, حيث تنشط الخلايا الارهابية أم في وسط سيناء الذي يفصل (ولو جغرافياً) بين محافظتي شمال وجنوب سيناء، الامر الذي يُسهّل الحركة على الخلايا الارهابية قليلة العدد، فضلاً عما توفره الطبيعة الجغرافية لسيناء من اماكن للاختباء والتخفي بعيداً عن طائرات المراقبة وسرايا استطلاع الجيش المصري.
لن تغيّر عملية التفجير قبالة القنصلية الايطالية في القاهرة شيئاً من يوميات الارهاب الذي أخذ ينشط في مصر ويزيد من بنك اهدافه، التي تبدو في مجملها خبط عشوائي يراد من خلالها اثبات وجوده وشد عصب جماعته المضروبة والمهددة بالانقسام أو الحل (على ما هدّد أو اقترح بعض قادتها، رغم ان الجدل لم ينته في هذا الشأن) ناهيك عن اصرار الدولة المصرية على المضي قدماً في محاربتها للارهاب مهما كانت الأكلاف, ولم يكن صدور قانون مكافحة الارهاب «الجديد» والسجال الذي اندلع بين انصار الدولة والمنظمات الحقوقية المصرية, والدعاوي التي رفعتها منظمات المجتمع المدني ضد بعض بنود هذا القانون, الذي في نظرهم يُعرّض حرية التعبير وحقوق الافراد الى الخطر, سوى الدليل القاطع على ان محاربة الارهاب قد تصدرت الان جدول الاعمال الوطني المصري, وان الخلاف حول بعض مواد القانون (وليس مضامينه) دليل حيوي على توحّد الارادة الوطنية المصرية لدرء مخاطر هذا الوباء الزاحف, الذي يأخذ اشكالاً وتجليات عديدة، لكنه في الاساس يريد تقويض الدولة المصرية والحاقها بساحات عربية عديدة نجح الارهاب الاسلاموي والتكفيري الانتحاري والسلفي الظلامي، بدعم من الغرب الاستعماري، في نشر الفوضى والقتل والدمار فيها تحت اسماء ودعاوى وذرائع متهافتة عديدة, لكنها تلتقي جميعاً عند رطانة اسلاموية متخلفة وظلامية ولا ترفع سلاحها إلاّ بوجه شعوبها, فيما تتحالف علناً وخلف الكواليس (وفقاً لدرجة تبعيتها وتمويلها) مع أعداء الامة، الذين يريدون طمس هويتها القومية وتفتيت بناها الاجتماعية والثقافية، وتشكيل كانتونات طائفية ومذهبية وعِرقية، على انقاض خرائطها الراهنة التي تحفظ على الاقل عروبتها, رغم ما فيها من ظلم وديكتاتورية وفساد ولعب قذر وسافل على الغرائز والهويات الفرعية.. القاتلة.