الاعترافات والوطن

لا معنى للإحباطات التي نعيشها هذه الايام فهي نتاج «صناعتنا الوطنية» وإذا كنا نضع اللوم على الاستعمار والامبريالية باشكالها المختلفة، فذلك لا يعفينا من دورنا في تدمير كياناتنا الوطنية، وحلمنا القومي.
حين نعلّق كل شيء على «المؤامرة» فإننا عملياً غير مستعدين للاعتراف باخطائنا ولعل ربع مليون قتيل واربعة ملايين سوري خارج وطنه، لم تقنع نظام بشار الاسد ان هناك مشكلاً حقيقياً في سوريا ونظامها، ان هناك اخطاء حقيقية ادت الى كل هذا الغضب الدموي، والغريب ان النظام يضع «الحق» على الارهابيين المستوردين والممولين من الخارج، لكنه لا يرى اي دور للمستوردين الممولين من حزب الله ، الى عصائب الحق، الى متطوعي المذهب من ايران وافغانستان، فهؤلاء يقتلون السوريين ويدمرون مدنهم وقراهم جنباً الى جنب مع سلاح الجو السوري الذي لم يرم وردة على المدن الاسرائيلية لا في حرب تشرين ولا كل الحروب الكثيرة التي لم تنته الى نتيجة.
عندنا ايضاً في الاردن، تعلّق كل معارضات الايديولوجيا والهواية «وشوفة الحال» مشاكلنا على مشجب الحكومات، وعلى صانعي الفساد والبطالة والفقر، لكن هذه المعارضات لا تسمي فاسداً، ولا تقدم للشعب حساباً حقيقياً يدين اية حكومة، فنحن لا نريد ان نعترف أننا لم نبن مؤسسات سياسية حقيقية، واحزاباً حقيقية، ولم تفرز انتخاباتنا جسماً ديمقراطياً لا على مستوى مجلس النواب او البلدية، او حتى النادي الرياضي.
لا نريد ان نقتنع ان الوطنية والاخلاص للوطن ولقضاياه الكبرى، هي اكثر من خطاب صوته مرتفع ومحتواه محتوى الطبل، وهي اكثر من رجم الاخر واتهامه وكلنا شركاء له.
مرّة أسرَّ لنا الصديق مؤنس الرزاز بانه بصدد كتابة اعترافات بالجوانب غير المعروفة من حياته، وقتها سألته، وكنا في مكاتب «الافق»: لماذا الاعترافات؟ لماذا وانت لم تصل الى الثلاثين من عمرك؟
قلت: ايام كنّا في دير اللاتين، وكنا اطفالاً كان المطلوب منا ان نعترف قبل تناول «القربان المقدس»، وكانت اعترافاتنا مثيرة للضحك: سبيت الدين يا ابونا، ضربت ابن الجيران، وكان ابونا يعاقبنا بالركوع، وبصلاة أبانا الذي في السموات، والسلام عليك يا مريم.
من هو أبونا الذي تريد ان تعترف له يا مؤنس؟ ومع ذلك فإن علينا كشعوب، وكبالغين، وعجائز ان نعترف باننا:.. لا نحب وطننا