مواقع التواصل الاجتماعي بديلا من الأحزاب

استمرار نتحدث عن ضرورة وجود أحزاب سياسية فاعلة وقادرة على التواصل مع الناس، والعمل على تحقيق أهدافهم في التقدم والحرية والديمقراطية ومناحي الحياة كافة، والدفاع عن مطالبهم ومكاسبهم. ولكن للأسف، لم تتمكن الأحزاب السياسية في بلدنا بالرغم من كثرتها، من أن تكون فاعلة ومهمة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية.
فالأحزاب السياسية في بلدنا غائبة عن الفعل، لذلك فهي غير معروفة للمواطنين في بلدنا. وإذا طلبت من مواطن تعداد أسماء الأحزاب التي يعرفها، فلن يستطيع تجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وهناك كثيرون لا يعرفون اسم أي حزب. طبعا، هناك أسباب موضوعية لغياب الدور الفاعل للأحزاب، لكن ذلك لا يعفي الأحزاب من المسؤولية. وأيضا، فإن الإقرار بهذه الأسباب لن يؤدي إلى تفعيل هذه الأحزاب، علما أن دراسات عديدة وضعت من قبل الأحزاب عن أسباب تراجع دورها في الحياة العامة، ووضعت توصيات عديدة على هذا الصعيد، وبقيت الأحزاب على حالها. ويبدو أنها ستبقى فترة طويلة تعاني من ضعفها وعدم فاعليتها، وعدم قدرتها على الانتشار. وهي تتحمل المسؤولية بدرجة كبيرة عن هذا التراجع والضعف، بالإضافة طبعا للعوامل الموضوعية التي تعيق العمل السياسي الحزبي والمعروفة للجميع.
الغريب أن هناك عوامل كثيرة مساعدة لتعزيز العمل الحزبي وتفعيله، وزيادة حضوره بين المواطنين، لا تستفيد منها  غالبية الأحزاب. من هذه العوامل، مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، والتي تمثل آلية سهلة للوصول إلى آلاف المواطنين، وخصوصا من فئة الشباب. فغالبية أحزابنا السياسية لا تستغل هذه المواقع، وإذا استغلتها فيكون ذلك بصورة نمطية وبسيطة وضعيفة. وعلى العكس من الأحزاب، فإن العديد من النشطاء استغلوا هذه المواقع التي وفرت لهم منبرا لطرح أفكارهم وآرائهم ومواقفهم من مختلف القضايا. وساهمت هذه المواقع في حوارات واسعة يشارك فيها نشطاء وأفراد عاديون من المجتمع. لقد تحولت المواقع الاجتماعية ليس فقط إلى منابر للآراء، وإنما أيضا إلى وسائل لتجميع الناس، وحشدهم باتجاهات سياسية وفكرية وثقافية معينة. فالحوارات التي تحدث على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، تنظم المشاركين فيها، وتصقل آراءهم وتوحدها في اتجاهات معينة. 
من التجرية، فإن مواقع التواصل الاجتماعي في بلادنا تقدم خدمات كثيرة، لا تستغلها الأحزاب ولا تستفيد منها، مع أنها آلية مناسبة تفعّل العمل الحزبي وتوصله إلى فئات لا يستطيع الوصول إليها بسهولة، لأسباب كثيرة. ويبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي ستحل محل الأحزاب السياسية، إذا لم تلحق حالها، وتتعامل مع التكنولوجيا الحديثة بما تستحق، وتستفيد من ما توفره من آليات للوصول إلى الفئات المجتمعية المتنوعة.