لماذا يصوم الفقراء ؟

سؤال يَرد بقوة عند الحديث عن حكمة الصيام من شعور الأغنياء بالفقراء , فالأغنياء يصومون كي يشعروا بالجوع الذي يعاني منه الملايين من البشر في هذه الأيام , وعندما يشعر الغني بهذه المعاناة يتفاعل مع الفقير المحتاج ويساعده ويخفف معاناته, هو كذلك الأمر, أو على الأقل الأصل به أن يكون كذلك, فلماذا إذن يصوم الفقير؟ بمن يُفترض به أن يشعر؟
أيُفترض به أن يشعر في شهر الخير (بالكرم) في موائد الإفطار الوجاهية حتى بأنه يستطيع أن يُطعم عياله وأهل الحي مما يُرمى في حاويات القمامة إثر الانتهاء من تفطير الصائمينَََ!
أم لعله قد يلتمس( شعور) المقتدرين مع طبقة المحتاجين والمعوزين من خلال جولة في الأسواق والمَحال , ليرى حتى من قبل رؤية الهلال تزاحم الناس لشراء المؤن وكأنهم مقبلين على قحط وجفاف, في ظل استغلال العديد من التجار لهذا الموسم النشط برفع الأسعار وإنفاق السلع المتكدسة,ليدرك صاحبنا الفقير أن ما كان بإمكانه إنفاقه على أهل بيته قبل رمضان , قد لا يطيقه في أيامه ولياليه.
وفي وسط هذا الكم من التناقضات, بين ما يُفترض به أن يكون الحال من الشعور بجوع الفقراء وحرمانهم , وبين وجوه التبذير والاستغلال والانكفاء على مزيد الطبخات والوصفات, يُكرر السؤال مرة أخرى: لماذا أصوم أنا الفقير.
دعك أخي الفقير من أولئك الذين يسارعون إلى ملئ موائدهم بأطباق لا طاقة لهم عليها , ملؤوها خوفاً من سريان أثر الجوع والحرمان في نفوسهم , لعلهم لم يتأملوا الحكمة الإلهية في تشريع عبادة الصيام في قول الحق تبارك وتعالى: « يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون « فهي التقوى إذن , وليس الغني بأولى بهذه المنزلة من الفقير , أيجوع طيلة العام ليُحرم من إدراك هذه المنزلة وهذا الثواب العظيم بألا يصوم شهراً , وقد ذاق طعم الحرمان أحد عشر شهراً غيره!
تلك الحالة من التقوى التي يدركها من فقه من الصيام ضبط النفس وغرائزها , تهذيب الأخلاق والسمو بها , حتى ليرادف معنى الصائم عنده ذلك الإنسان النبيل الصبور الذي إن سبه أحد أو شتمه قال: إني صائم , ليكون الصوم سبباً في رقيك أيها الإنسان غنياً كنت أم فقيراً, فليس الغني بأحوج بهذا السمو من الفقير, ليكون الصائم مؤهلاً بسبب ما حققه من التقوى في هذا الشهر الفضيل للتكريم وعلو المنزلة عند خالق الأكوان: « إن أكرمكم عند الله أتقاكم» وإنما يكون التكريم لمن أدرك أنه من الظلم أن يحصر معنى الصيام في الجوع والعطش, وهو يقرأ
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :» من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه».
أفمن الحكمة بعد ذلك أن يُحرم الفقير من هذه الأجواء الإيمانية والأخلاقية السامية لمجرد أنه ليس من تلك الطبقة المقتدرة ! لينقلب الحال إلى تمييز طبقي بغيض يحصر شرف
الصيام وفضله في الأغنياء دون الفقراء برغم قدرتهم عليه وهم أهل الصبر والتحمل.
أفبعد أن أحب الناس ما يجتمعون عليه طيلة الشهر الفضيل في أوقات السحور والفطور, على اختلاف مستوياتهم المعيشية وطبقاتهم الاجتماعية , يبدؤون صيامهم في وقت واحد, وينهونه
كذلك في وقت واحد, في صورة مجتمعية متحدة , قد تعجز القوانين الصارمة عن تحقيقها عنوةً,
ليقوم الناس بها متوافقين اختياراً, أفبعد كل هذه المعاني من تناسي الفروقات المادية بين الناس,
يصبح الإفطار في نهار رمضان علامةً للفقير, ليتذكر بها فقره ومعاناته , بعد أن كان الصيام وسام شرف يتقاسمه مع أخيه الغني, ذاك الغني الذي يصوم بحق وهو يستشعر ماذا يعني أن تكون فقيرا,فإن سأله سائل: لماذا يصوم الفقراء؟ أجابه قائلاً: دعني أخبرك أولاً لماذا يصوم المسلمون , ففيه من الحكم والمعاني السامية ما يعوزه غنيهم وفقيرهم