اغتيال اللويبدة!

اخبار البلد-

 
بعد طويل غياب عدت زائرا للويبدة  حيث  تربطني بها علاقة وطيدة ؛ عشت فيها لمدة زادت عن الأربعين عاما من الطفولة والصبا والشباب حتى غادرتها خلال عام 2010 ، وخلال السنوات الماضية كنت احرص على زيارتها بين الحين والأخر إلى أن صدمت قبيل شهر رمضان باغتيال اللويبدة بداعي «البزنس» وفتح العديد من المقاهي واستبدال بيوتها القديمة بأماكن «ثقافية» والتي لا تمت إلى الثقافة بصلة ، لقد تم استبدال عراقة وأصالة اللويبدة  بلوحات مبعثرة قضمت من جسم اللويبدة الكثير وحولت هدوء الحي إلى ضجيج ورواد يستهلكون اللويبدة ويعتدون على خصوصيتها . 
لست ضد التطوير والتحسين ولكن ما زلت اذكر تماما وقبل حوالي عقدين من السنوات،تعثر  أكثر من مشروع تجاري وفي أكثر من موقع  في اللويبدة لأسباب كثيرة أهمها أن اللويبدة لا تحتاج إلى  مثل تلك المشاريع والتي غالبا ما رحلت تماما من حيث الفكرة والجدوى . 
تم اغتيال هدوء وعراقة اللويبدة بتحويل العديد من المواقع فيها إلى مقاه وجلسات لمتابعة المباريات الرياضية  ومحلات انترنت  إضافة إلى الاعتداء على الأرصفة واستخدامها «للكوفي شوبات « وتكدس عينات متعددة من روادها . 
تم أيضا شراء بعض البيوت القديمة واستقطاب من يدعون الفن وبعض الجاليات الأجنبية لإضاعة الوقت وتمضية الأوقات في جبل كان لا يقبل سوى سكانه ورواده وعشاقه ومن شهدوا نمو اللويبدة الرصين وبعده عن الصخب والضوضاء . 
ذات مرة تم اعتماد يوم محدد من الأسبوع  لإغلاق السير أمام حركة السيارات  في اللويبدة واقتصار السير فقط للمشاه وتخصيص زوايا محددة  للبيع المباشر ، كانت فكرة بديلة عن اصطناع محلات تجذب فئات معينة لا تقدر قيمة اللويبدة  ابدا . 
أسوق بعض أسماء المحال التي تعتبر  من معالم اللويبدة من مثل : مطعم أبو محجوب ، مطعم أبو الشكر ، محلات بجالي ، محلات الأفغاني ، باتسيري فيروز ، محمص برهومة ، مكتبة الشريعة ، صالون سامي ، مكتبة الجامعة ، ألبان الأمانة ، بقالة أبو الوليد ، بقالة أبو احمد القيمري ، دواجن كوكو ، محلات شرف للبراويز ، معجنات موته ، مخبر أبو عزام ، صيدلية فتاله ، معجنات اتوومات ، محل الدواجن الذهبية ، محلات كويك ميل ، ملحمة أبو خالد ، بقالة الكرمل ، بقالة كناري ، أستوديو جاك ، مشروبات كركر ومشروبات مشربش الروحية ، ومعالم أخرى عديدة لا يتسع المجال لذكرها جميعها ولكن  تبقى في الذاكرة وتظل المثل الحي لمعنى تفرد تلك المحال في اللويبدة دون منازع . 
من لا يعرف اللويبدة جيدا يمكن أن يستنكر  استخدام لفظ الاغتيال ومدلوله ولكن من تعطر بياسمين وعبق اللويبدة يدرك تماما معنى خسارة تحويل اللويبدة إلى مجرد مشاريع تدر دخلا مؤقتا  لا غير . 
وللحد من جريمة الاغتيال  تجاه اللويبدة ، لا بد من تدخل أهل اللويبدة من اجل ذلك وهم كثر لانقاد ما تبقى وما يمكن إنقاذه قبل فقدان هوية عمانية جمعتنا ذات أيام رائعة معا وأطلقتنا بحرية للعنان ...اللويبدة عزيزة وينبغي أن تبقى عريقة وهادئة  وراقية على حد سواء .