د. جواد العناني يكتب : سياسة الحكومة الاقتصادية مُنْبَتّّة

أخبار البلد - تقول لنا الأرقام الحكومية إن مجموع المخصصات التي رصدت من أجل زيادة رواتب الموظفين في القطاعين المدني والعسكري والمتقاعدين، بلغت 160 مليون دينار، وان الحكومة أيضاً سوف تتكبد حوالي 300 مليون أخرى لتخفيض أسعار المشتقات النفطية والحفاظ على أسعار أنبوبة الغاز والكهرباء والمياه والخبز على حالها . ماذا لو أعطيت هذه الحكومة الجديدة الفرصة لتعيد النظر في ذلك القرار، فماذا تفعل؟

ما الذي يمكن أن تفعله بمقدار 460 مليون دينار لو أنفقت انفاقاً عاقلاً ورشيداً، بدلاً من جعلها كما فعلت الحكومة السابقة خسارة ميتة، أي أنها خسارة لم يستفد منها أحد إلا لفترة قصيرة. فسرعان ما سترتفع الأسعار إلا إذا أرادت الحكومة المزيد من هذا الهدر، ورفع قيمة هذا الدعم الى بليون دينار تزيد في أعباء الحكومة وديونها التي ستصل قرب 15 بليون دينار نهاية هذا العام إن بقي الحال على حاله.

ويبدو أن الحكومة الحالية، مرة بداعي الانشغال بالإصلاح السياسي، وتارة بداعي تغيير القوانين وإجراء الحوارات السياسية مع مختلف الأطياف وغيرها، غير قادرة على تقديم برنامج إنقاذ اقتصادي، أو أنهم لا يشاركون غالبية الشعب أن الوضع الاقتصادي والمالي في الأردن بحاجة ماسة إلى عناية كبرى. وإذا بقيت هذه الحكومة على هذا الحال في تناول الشأن الاقتصادي، فسوف تشهد معنا صيفاً حاراً بامتياز، قد يجعل همومها الحالية تبدو نزهة ربيعية على شاطئ العقبة.

يجب أن تبدأ الحكومة أولاً بمصارحة الناس في الوضع الاقتصادي والمالي، وخاصة مشاكل الحكومة نفسها. وسبب المصارحة والمواجهة أن الحكومة الحالية ليست مسؤولة إلا بقدر عن الوضع الحالي. ولقد تهيأت لها حتى الآن فرصتان لعمل ذلك؛ الأولى في جلسة الثقة، والثانية عند بحث قانون الموازنة. ولكنها أهدرتهما بالوعود والسعي للشعبوية. وعليها الآن أن تصارح حتى تدعو الناس إلى التفهم والاستجابة.

وعلى الحكومة أن تضع فوراً خطة موازنة بديلة للموازنة الحالية، وبإنفاق مدني وعسكري أقل مما هو مرصود بمبلغ لا يقل عن (700) مليون دينار وهذا ممكن هذا العام، ويجب أن ينجز، وإلا فإن الناس لن تصدق كل هذه الحركات التعبيرية (البانتوميم) الذي تمارسه نحو كسب الناس في محاربة الفساد، واختيار ضحايا بأقل التكاليف السياسية.

والأمر الثالث هو أن على الحكومة واجب الاتصال مع كل الأطراف العربية القادرة للحصول على تمويل لا يقل عن بليون دينار إما تمويلاً لمشروعات، أو لدعم شبكة الأمان الاجتماعي.

والأمر الرابع هو ضرورة إعادة النظر في إنفاق الـ (460) مليون دينار، وتخفيضها للنصف حيث نستطيع توفير (230) مليون دينار توجهها نحو خلق فرص عمل للأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل، بحيث تشغل على الأقل واحداً من أفرادها العاطلين عن العمل، وتعطي أولوية فرصة العمل لمن يتنازل عن العشرين ديناراً من المحتاجين.

تستطيع الحكومة بهذه الوسائل أن تبرهن على جديتها في تناول هذا الهم الكبير، قبل أن ينفجر في وجوهنا، وتستطيع وهي تؤدي ما عليها أن تطلب من القطاع الخاص والمغتربين المساهمة في إنقاذ الاقتصاد والتكافل مع الوطن العزيز الأعز.

بهذا الأسلوب قد نجمع محلياً حوالي بليون دينار، وعربياً مبلغا مثله. وإذا ما أنفقت هذه المبالغ الانفاق الصحيح، فإننا سنحل مشاكلنا العاجلة. وإذا صفا الجو الاقتصادي وراق، فإن الإصلاح السياسي سوف يطبخ على نار هادئة واعية، تعطي الحلول المتوازنة. أما إذا بقينا على هذا الحال من ضياع الحال فإننا لن نبقي ظهراً ولن نقطع أرضاً.