إسرائيل تسرق آثارا أردنية

Top of Form

Bottom of Form

 

هذه الخدمة تمكنك من تقييم المقالات دون الحاجة للتعليق وذلك وفقا للتدرج الاتي:

اغلاقيستحق مدير عام دائرة الآثار العامة التحية على شجاعته بالإعلان رسميا عن سرقة آثار أردنية قيمة من قبل تاجر آثار إسرائيلي وتهريبها خارج البلاد، بعد خمس سنوات من التستر على هذه القضية. فعلى الرغم من علو أصوات وصفت حادثة كشف هذه السرقة بأنها فضيحة، وأن الأصل في المسؤول الحكومي أن يعقد المؤتمر الصحافي ليعلن فيه استعادة الآثار وليس سرقتها، فإن الشفافية وإحاطة الرأي العام محليا بما يحدث جانب من المسؤولية الوطنية والحاكمية الرشيدة. فقد دفعنا ثمن التكنيس تحت السجادة وثقافة التستر غاليا في الآثار وغيرها.
يعود تاريخ السرقات الإسرائيلية للآثار الأردنية إلى زمن طويل يسبق تأسيس الكيان الإسرائيلي. فمنذ أنشطة صندوق استكشاف فلسطين في القرن التاسع عشر وفي النصف الأول من القرن العشرين، مرورا بعشرات البعثات الآثارية ومشاريع المسوحات والتنقيب التي مولتها مؤسسات صهيونية وأخرى متعاطفة معها، تشكل علم الآثار التوراتي الذي طالما عبث في كنوز بلادنا التاريخية، وما مواسم حفريات وتنقيبات الحاخام اليهودي "نلسون جلوك" في البتراء وغيرها على مدى العقد الثالث من القرن الماضي إلا واحدة من الأدلة على حقد الأيديولوجيا الصهيونية على التاريخ الثقافي للأردن.
والآثار المسروقة هذه المرة تشبه في قيمتها الآثارية وأهميتها التاريخية والثقافية لفائف البحر الميت التي سرقتها إسرائيل من المتحف الأردني في القدس العام 1967 أثناء الحرب. حيث تشمل المسروقات الراهنة 70 كتابا من صفائح الرصاص ولفائف تعود إلى القرن الأول الميلادي، وتشمل معلومات في غاية الخطورة عن فجر المسيحية الأول، حيث استقبلت الأرض الأردنية أول حركة لجوء في التاريخ جراء الاضطهاد الديني الذي مارسه اليهود ضد المسيحيين الأوائل الذين لجؤوا إلى شمال الأردن، ومن المحتمل أنهم قاموا بدفن هذه الألواح واللفائف خوفا عليها.
تمت سرقة هذه الآثار، حسب مدير عام دائرة الآثار، من خلال حفريات أثرية غير شرعية في أحد الكهوف في شمال الأردن. وبعد اكتشافها قبل خمس سنوات، تم تهريبها من قبل أحد الإسرائيليين المختصين بتجارة الآثار، والذي أرسلها بدوره إلى بريطانيا لتتم دراستها وفحصها من قبل (أحد) المختصين بعلم الآثار في جامعة كامبريدج الذي قام بإخبار الجانب الأردني بها.
لم يتوقف تهريب الآثار؛ هناك تجار على المستوى الدولي ينشطون في مواسم ولهم وكلاء محليون، وهناك طوابق من الفساد، وتحديدا خلال آخر عشر سنوات، في إدارة التراث الثقافي الوطني، وأخص القدرة على تمثل الولاية العامة في هذا الملف الحساس، حان الوقت لكشفها والحديث عنها بجرأة، وصولا إلى التجار الجدد حيث تنتشر آثار حضارة الأنباط اليوم في متاحف الجامعات الأميركية في يال وبنسلفانيا وسنسيناتي، وفي مستودعات التجار وصالات العرض، وأخيرا بالمزاد على شبكة الانترنت.
كما تحتاج جهود دائرة الآثار العامة إلى الدعم من خلال حملة قانونية ودبلوماسية شرسة، فالتراث الوطني هو الجزء الأغلى في شرف الدولة، فنحن أيضا بحاجة إلى تعبئة شاملة للرأي العام الأردني للتنبه، إذ هناك محاولات إسرائيلية متكررة من خلال السياح وغيرهم ليس للسرقة فقط بل ولتشويه المواقع والرموز التراثية الأردنية، ألم يحاول سياح منهم أن يدسوا قطعا أثرية مزيفة تحمل دلالات غير صحيحة في بعض المواقع الأردنية؟ ألم يحاولوا الحفر على الواجهات الصخرية في البتراء بحروف عبرية؟
ولعل هذا الواقع يدعو إلى ضرورة التفكير جديا بإنشاء مجلس وطني للآثار والتراث يعيد مأسسة إدارة التراث الوطني وحمايته وسبل الانتفاع منه واستدامته، بالاستفادة من الخبرات الأردنية وتوسيع قاعدة اتخاذ القرار في هذا المجال الحساس والمهم.