خـســارة فلسطيـنـيــة
كانت عقلية ياسر عرفات جبهوية منفتحة حريصة على الآخر وتلبية احتياجاته السياسية وشروط شراكته والقبول بها إلى حد رضوخه لمطالب الفصائل الفلسطينية الأخرى مهما كانت إسهاماتها متواضعة وإمكاناتها محدودة، وكان ذلك يستفز بعض قيادات حركة فتح من أصحاب النظرة الضيقة أو من المتعصبين لحركتهم، ولكن سلوك ياسر عرفات وأسلوب إدارته وتوسيع قاعدة شركائه كان أحد أهم أسباب انتصاراته الداخلية في مواجهة الانشقاقات المحلية، وسبب انتصاراته الخارجية في مواجهة ضغوط الأنظمة الشقيقة ومعاركها ضده .
لم يكن لياسر عرفات حسابات شخصية، وعداوات ذاتية، وانغلاقات أنانية، ولذلك لم يكن رئيساً وظيفياً فحسب بل قائداً للشعب منذ أن تولى رئاسة منظمة النحرير حتى رحيله شهيداً مسموماً على يد أدوات شارون وبقرار منه، ولذلك فقد النضال الوطني، والحركة السياسية الفلسطينية، والشعب العربي الفلسطيني ياسر عرفات ليس فقط كرئيس ورمز وقائد، بل فقد عقلية منهجية جبهوية كانت تُوحد ولا تُقسم، تُضيف ولا تُصفي، وبفقدان هذه العقلية وغيابها خسر الشعب الفلسطيني الكثير من قوته المعنوية وتماسكه الداخلي، وهي حصيلة تصب في مصلحة العدو الأستعماري الإسرائيلي، وضد مصالح الشعب الفلسطيني، لأن غياب أبو عمار خسّر الشعب الفلسطيني العقلية والإدارة الجبهوية العريضة التي كانت تقوده، وبفقدانه خسر الفلسطينييون فلسفة تجميع القوى في مواجهة العدو الواحد المشترك، وأن تُعطى الأولوية للتناقض مع العدو وليس لحسابات الخلاف أو التنافس أو عناوين التعارضات الذاتية، وبذلك كان يتم تجميد التعارضات الوطنية الداخلية الذاتية لصالح الصراع الأقوى والأهم في مواجهة العدو الوطني والقومي والديني، الصراع مع العدو الإسرائيلي لا شيء يعلو عليه أو يتفوق على أولوياته، وتوفير المعطيات والقدرات الذاتية في معركة المواجهة مع العدو، بدلاً من الالتهاء بالمعارك الذاتية والشخصية والأنانية الضيقة، التي يشهد مظاهرها الشعب الفلسطيني، وكأنه بحاجة لمزيد من الوجع بسبب إجراءات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وسياساته المتمكنة بتفاصيل حياة الشعب الفلسطيني والتأثير عليها، فتأتي الصراعات السياسية والأمنية والحزبية بين فتح وحماس، بين الضفة والقطاع، مقدمين من كليهما خدمات مجانية للعدو الوطني الواحد، فتترك بصماتها وتأثيرها الأقوى على نفوس الشعب المعذب والمصلوب منذ سنتي 48 و 67، ولا يزال .
يصغر الفلسطينييون أمام أنفسهم، وتصغر قياداتهم أمام شعبهم، ويصغرون أمام أشقائهم العرب من المسلمين والمسيحيين، وأمام الأصدقاء المؤيدين لهم ولقضيتهم على المستوى الدولي، حينما يغرقون بصراعات فردية أنانية ضيقة، مهما كانت الأسباب مُحقة في دوافع بروز الخلافات الجانبية واحتدامها وعلو صوتها، أو في صراع أجنحة العمل السياسي داخل الجبهة الداخلية الواحدة، أو في تصعيد الخلاف السياسي ليكون هو عنوان الصراع بين الفصائل الفلسطينية، لأن النتيجة هي إنكفاء الشعب عن قيادته وشعور باليأس يجتاح علاقاته وحالة من الأحباط تتولى عناوينه وفعالياته، وهذا ما يحصل حالياً، حيث تجتاح الخلافات والصراعات الجانبية وتحتل عناوين الاهتمامات واليوميات على ما عداها من قضايا أكثر أهمية حيث يتلاشى الاهتمام بالقضايا الهامة لصالح العناوين الأبرز الأقل أهمية .
h.faraneh@yahoo.com