العريفي في إربد.. ما الرسالة؟!

يقول محمد العريفي في تسجيل على "يوتيوب" (أي يمكن لأي شخص الرجوع إليه وسماعه)، إن "سفك الدماء وسحق الجماجم وتقطيع الأجزاء شرف للمسلم".
من يقول هذا الكلام الظلامي الاستبدادي، الذي تعتقد به عصابة "داعش" الإجرامية الإرهابية التكفيرية، يأتي إلينا ونستقبله في مطارنا، ونذهب به إلى شمالنا، حيث اربد، التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن عصابات القتل الإرهابية في سورية، من "جبهة نصرة" أو "داعش" أو "جيش الإسلام" وغيرها، والتي لا تعرف وسيلة حوار إلا جز الرؤوس والحرق والسبي، وسحق الجماجم، كما يريد العريفي وأقرانه، وكما يخبرنا هو ذاته.
من يدعو إلى سحق الجماجم نأتي به، ونمكنه من ملعبنا البلدي، ويحتشد بحضرته ما يقرب من 20 ألف شخص، بحسب المنظمين، صحيح انه رقم مرتفع، ولكن لا يجوز للمنافحين عن العريفي وأفكاره التباهي به، ومهاجمة الآخرين باعتبارهم غير قادرين على حشد ذات العدد، فالمطرب محمد عساف وشاعر الحب والهوا نزار القباني، وشاعر فلسطين محمود درويش، ومطرب الجنوب والوطن مارسيل خليفة، يحتشد لهم اضعاف ذلك.
المشكلة ليست مع العريفي فمواقفه الغريبة بتنا نعرفها، المشكلة مع عقل الدولة الذي منح لمثل العريفي أن يقف خطيبا بهذا الحشد، وهم يعرفون ما يتحدث به وما يقول، والسؤال، كيف يتم السماح لمثل أولئك الذين يحملون أفكارا تدعو للقتل وإبادة الآخر الدخول للأردن؟ وإن دخلوا فكيف يمنح لهم الملعب البلدي ومن ثم الجامعة الأردنية؟ ألسنا في حرب مع الإرهاب؟ أليس الإرهاب ضرب فينا وأوجع؟ أم أننا نفكر بعقلين مختلفين، فما الفرق بين ما يقوله العريفي وما تقوله طوائف القتل الأخرى؟
هذا العريفي، الذي يحث على سحق الجماجم، هو ذاته الذي يمنع جلوس البنت مع أبيها إلا بوجود أمها! أليس في هذا القول تدهور فكري عميق. وبطبيعة الحال، فإن الحل عند العريفي في حال ماتت الزوجة، وحتى لا يجلس الأب مع ابنته، الحل بأن يقوم الأب بالزواج فورا، من سيدة أخرى، نعم العريفي، ومن على شاكلته يعتقدون أن النساء خلقن فقط متعة وشهوة لهم، بلا حقوق، بلا واجبات، ومن دون أن يحق لهن التحدث بكلمة، وأن الرجل من حقه التمتع بالنساء كيفما شاء ووقتما شاء، سواء كان عبر تعدد الزوجات، أو عبر زواج المناكحة أو جهاد النكاح أو غيره من البدع، التي قال بها متحدثون بالدين. هؤلاء، بطبيعة الحال، هم أنفسهم من كفّر ابن رشد، الذي قال إن المرأة كفء لأي عمل، وأن المجتمع العربي لن يرقى إلا إذا كف الرجل عن استعمال المرأة لمتعته وقصر نشاطها في البيت.
من حقنا أن نعرف لماذا يحضر العريفي إلينا، وهو الذي يحمل ما يحمل من أفكار، لا تستقيم مع أفكار دولتنا التي نريد، ومن الذي سمح له بأن يتحدث فينا ويذهب إلى اربد، حيث المسافة كيلومترات قليلة عن الارهابين التكفيريين، الذين لا يجيدون إلا ما اعتبره العريفي فخرا، وهو سحق الجماجم؟!
لا اعتقد أن مواصلة البقاء في منطقة رمادية يدفعنا إلى الإمام، ولا اعتقد أن غياب الهدف بهذا الشكل سيبقينا بعيدا عن الفكر الظلامي التكفيري، الذي يرفض التنوع ويرفض الآخر ويعتقد بجز الرؤوس فقط، ولا يقيم أي وزن للإنسانية وحق الشعوب في الحياة.
خطوة دعوة العريفي، وهو الذي قال ما قال، لم تكن موفقة، وعلينا أن نكون أكثر وضوحا، وان لا نبقى نتحدث عن دولة مدنية، دولة مؤسسات وقانون، وفي الوقت ذاته ندعو العريفي لبث أفكاره بين جيلنا الصاعد.
الدولة، بكل مؤسساتها، باتت مدعوة لاجتثاث الفكر التكفيري من مناهجنا، من مساجدنا من سلوكياتنا، وان تستوى باتجاه الهدف من دون الدخول في مناطق رمادية، وإلا فإننا سوف نستفيق يوما لنجد أن الفكر التكفيري بات مسيطرا، ولم يعد للدولة المدنية حضور.