في ذكرى الشهيد الاردني في ليبيا
لنشارك اليوم الاخوه في ليبيا بقراة الفاتحه على روح االشهيد العربي الاردني تجيب البطاينه فليوم يحتفل مناضلو ليبيا اليوم بذكرى الشهيد العربي الاردني نجيب البطاينه ويستذكرون هذا البطل وتضحياته ويروون عن ماثره وطولاته التي سجلها هناك على ارض ليبيا التي لم يغادرها بل حضن جراحه ونام هناك ليهنا في ضريحه الذي ظل شاهدا على بطولاته كاحد قواد عمر المختار واحمد السنوسي بينما لم يذكره التاريخ الاردني بصفحة في مناهجه ليكون للاجيال قدوه وليظل عالقا بالاذهان كبطل اردني لم يعرف للارض العربيه حدود فالشعب الأردني شعباً فريداً بين الشعوب العربية، فهو لم يضرب مرة من أجل مصالحه الخاصة، ولم يقم بمظاهرة في سبيل منافعه الذاتية، ولم تنزل قطرة دم واحدة منه من أجل قضية محلية. كل تضحياته قدمت في سبيل إخوانه في فلسطين وسوريا وليبيا والجزائر و اليمن فإن أردت أن تعرف شعباً من الشعوب فعليك أن تتعرف على رجاله، لأن هذه الرموز هي التي تخوض معركة الحياة بخيرها وشرها، وهي التي تصنع التاريخ للأمة، وهي التي أسهمت في إضاءة الدروب للأجيال الصاعدة والمتجددة في وطننا، وهي التي صاغت البيان التحريضي لنهضة الأمة، وهم الذين علمونا الوعي بثقافة المقاومة . ونجيب البطاينة ...... من هؤلاء الرجال الأبطال الذين أضاءوا أفق الرؤية، وكان لـه شرف بلورة الهوية القومية من أجل بناء وطن كانت رؤاه الوحدوية منطلقة في الدفاع عن العروبة في كل بقعة من بقاع الوطن العربي. فقد تختلف العوامل التي تصنع الرجال، إلا أنها تشترك في استحالة تحقيق هذا الرجل أو ذاك دون رصيد حقيقي من مواقف وأقوال وأفعال ومنجزات يسجلها لـه التاريخ ويتحدث عنها البعيد والقريب، وذاكرة أبناء الأردن من الرعيل الأول والثاني والثالث تحتفظ بالكثير من الأحداث وصناعة الفعل الثوري والجهادي. تروي حكايا هذا المجاهد المعتز بعروبته وإسلامه كتب التاريخ الليبي وتدرس للاجيال فتقول .. عندما قاد شهيدنا البطل نجيب البطاينة فصائل المقاومة الشعبية الليبية لم يكن مباهاة لتعزيز الهيبة ولا ترفاً لصيد الرجال، وإنما كان دفاعاً عن قدسية الأرض وكرامة الإنسان العربي، فقد صاغ خطابه الجهادي وفق معطيات مرحلته بكل تحولاتها العميقة وتحدياتها الخطرة، ومستجداتها الصعبة بتفكير ثاقب، ووعي ناضج متمسكاً بفكر المقاومة الشعبية مع القوى الوطنية الليبية ممثلاً بالمجاهدين: أحمد الشريف ومحمد المهدي، ومحمد بن عبد الله، وغيرهم من أبطال المقاومة الليبية الذين كان وإياهم يعبرون عن مجمل الشعور الجمعي لرسالة النضال المكونة في ذاكرتهم وهم يقارعون الغزاة وأعداء الوطن والأمة نعم هذه قصة من قصص الأردنيين الذين دافعوا عن قضايا الأمة شرقها وغربها ولبوا النداء ونفروا خفافاً وثقالاً في سبيل قضاياها الحديث عن المجاهد الشهيد نجيب البطاينة هو الحديث عن رجل عانق الشمس من أجل أن يصنع للوطن مكاناً يليق بشعبه وأمته، وهو لا يفرق بين مشرق الوطن ومغربه، فناضل عسكرياً في الجيش العثماني، واستشهد قائداً مجاهداً في صفوف الثورة الشعبية الليبية، ولد في الشمال الأردني وسقط شهيداً في الجنوب الشرقي الليبي، فالبطولة لها أشكالها وأنواعها، ولها زمانها ومكانها، فرسم لوحة على جدار الزمن ليتحدث التاريخ عن البطولة والأبطال، وعن أحرار الأردن الذين أسقوا بدمائهم الزكية شجرة الحرية في ليبيا واليمن، وفلسطين والعراق، وسورية، و الجزائر ... .و الأرض العربية ولاّدة لرجالات مخلصين أوفياء، بذلوا الغالي والنفيس للذود عن أوطانهم، فقدموا أرواحهم في سبيلها. بعد رحيلهم، يجدر بنا أن نكتبهم للتاريخ، وذلك من باب العرفان بالجميل لكل ما قدموه لأوطانهم ولأمتهم، بوصفهم رموزاً للشهامة وللشرف وللرجولة الحقة، الشهيد نجيب بن سعد العلي البطاينة، وهو أول شهيد عربي أردني على التراب الليبي المقدس. الذي قاد فصائل المقاومة العشبية الليبية دفاعاً عن قدسية الأرض وحرصاً على كرامة الإنسان العربي عائلة البطاينه ---------- ينحدر المجاهد نجيب بن سعد العلي من عائلة البطاينة، وهي عشيرة كبرى تمتد في جميع أنحاء الوطن العربي، وتنتسب إلى الضرغام من سنجارة من قبيلة شمر الطائية القحطانية. هاجر جدهم الأعلى ضرغام من جبل شمر في الجزيرة العربية إلى العراق، ومن ثم إلى قرية عرمان "جبل العرب في القرن السابع عشر الميلادي، ونزل من أبناء ضرغام عبد الله بن عيسى البطين إلى منطقة المفرق ثم إلى قرية صما بمحافظة إربد، ليسستقر في كفريوبا، والبارحة وحكما.وسال والبطاينة هم زعماء ناحية بني جهمة في محافظة إربد، التي تُسمى أحياناً ناحية البطين نسبة لهم ومن افخاذ هذه العشيرة ابو بكر والاحمد والحوت وابو الغنم وابو غوش وملحم ولد المجاهد نجيب البطاينة عام 1882م في مدينة إربد في قرية البارحة، نشأ في بيت والده الشيخ سعد العلي البطاينة، شيخ مشايخ بني جهمة، وهو أهم زعماء منطقة الشمال الأردني، حيث كان يقصده القاصي والداني لحل الخلافات والمنازعات وإصلاح ذات البين، وقد اعتمد من السلطات التركية آنذاك عليه كزعيم لهذه الناحية وكان عضواً في مجلس إدارة القضاءونجله محمد باشا السعد . لقد وضع الشيخ سعد العلي البطاينة نصب عينيه أن ينشئ أبناءه على احترام الأسس والمبادئ والقيم العربية الأصيلة، حيث صقلت شخصيتهم متحلين بثقافة واسعة وإرث تاريخي عظيم مدرسة عنبر تلقى المجاهد نجيب بن سعد العلي البطاينة العلوم الأساسية كالقراءة والكتابة في مكتب القرية لتعليم القرآن، ثم انتقل إلى مدرسة إربد الابتدائية، بعد ذلك سافر إلى دمشق ليكمل دراسته في مدرسة عنبر، وفي عام 1901 انتقل إلى مدرسه شيوخ العشائر في الآستانة لمتابعة دراسته في الكلية العسكرية، وتخرج منها برتبة ملازم ثانٍ وذلك عام 1905،ليتسلم كتيبه الهجانه بالعقبة بعدها تابع أمور البادية والحدود والمناطق الصحراوية، ثم بدأ عمله الوظيفي كقيم للحج، ومرافق لأمير الحج، ثم نقل إلى الفرقة 14، التي توجد في سورية ولبنان والأردن. في الجبهة الليبية كانت سرية المجاهد نجيب بن سعد البطاينة متمركزة في قرية "المزة"، وهي اليوم من أرقى أحياء مدينة دمشق، وفي عام 1910 التحق مع سريته إلى اليمن، لإخماد ثورة الإمام يحيى، وبعد التفاهم مع الإمام يحيى، انسحبت القوات العثمانية من اليمن، وتوجهت إلى جبهة ساخنة في ليبيا، كان ذلك في شهر شباط عام 1911م للمشاركة في الحرب الدائرة مع الجيوش الإيطالية الغازية، وكان برفقة القائد عزيز علي المصري والقائم مقام علي خلقي الشرايري، وشكل هؤلاء الثلاثة قوة الردع المميزة في مجابهة القوات الإيطالية، إلا أن الحكومة التركية المركزية قد تنازلت عن ولايتي طرابلس وبني غازي إلى الجيوش الإيطالية، بموجب معاهدة "أوشي" في نهاية عام 1911م، فانتقل المجاهد نجيب بن سعد العلي البطاينة إلى هضبة "برقة" قليلة السكان، وكانت لم تُحتل بعد، وكان لهذه المنطقة في ذاتها قيمة روحية وسياسية، إذ أنها موطن السنوسية، وزعيمها النشط الشيخ احمد الشريف، وكان نفوذه في الشمال الإفريقي يتجاوز حدود منطقته الخاصة، حيث كان من أكثر الضباط حماسة للقتال، وظل دائماً يردد: "جنود الطليان جبناء، المهم في الأمر الصمود وتزويدنا بالإمدادات العسكرية". وما يجدر ذكره أنه في عام 1913 تعرض المجاهد نجيب بن سعد العلي البطاينة "نجيب الحوراني" لمحاولة اغتيال بالسم، وذلك من قِبَل المخابرات الإيطالية، إذ تم تكليف الخادمة بوضع السم في طعامه، لكنه نجا من محاولة الاغتيال هذه. اشترك نجيب الحوراني في حروب برقة "الإقليم الشرقي لليبيا"، مع المجاهد عمر المختار والشريف أحمد السنوسي ضد الطليان، وإعجاباً بشجاعته فقد زوَّجه السنوسيون إحدى بناتهمالحاجه فزه السنوسي معركة الشلظيمية كانت معركة الشلظيمية فتحاً عظيماً للمقاومة الليبية وفي هذه المعركة قدم الشعب الليبي مئتي شهيد، وتم فيها تأخير القائد الإيطالي "مياني" من التقدم إلى إقليم فزان، وفي اليوم التالي حدثت معركة الكراديسي في الأول من آذار 1914، وفي هذه المعركة استعمل قتئدها البطل نجيب الحوراني.... أسلوب القتال العسكري النظامي "الكر والفر"، ومن ثم المباغتة في الجوانب، وهذا الأسلوب مكَّن المقاومة من الوصول إلى الأطراف، حيث قادة الفصائل من الضباط الطليان قتل منهم أكثر من سبعة ضباط من الرتب المتقدمة، وتمكنت المقاومة من تدمير الأسلحة والذخيرة، وحرق سيارات التموين والصحة، وقد أبلى بلاء حسنا في معركة "مسوس لتأتي معركة "القرباع" يوم الثلاث من الشهر ذاته، فتكون آخر معركة يشارك فيها نجيب بن سعد العلي البطاينة، إذ إنه جُرح فيها، وكانت إصابته في الصدر وفي الفخذ قاتلة، فنُقل من أرض المعركة إلى منزله لعلاجه وبقي حياً إلى اليوم التالي 4 حزيران 1914م، إذ فارق الحياة متأثراً بجراحه، ودفن في قرية مسوسوهناك بني له ضريح يزار وتذبح به النذدور ضريح سيدي نجيب ، وبذلك كان رمزاً عربياً وقومياً في كل أنحاء الوطن العربي . قال فيه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الراحل: عندما زرت الشقيقة ليبيا، دعاني معمر القذافي لزيارة أحد أضرحة الشهداء العرب في يوم الاحتفال بسنويته، ووقفنا أمام الضريح، وقرأت اسم الشهيد الذي يُجل المغرب ويُقدر نظراً لتضحياته، قرأت اسمه الشهيد نجيب الحوراني لواء عجلون، فعرفت أنه من الأردن التي كانت تتبع حوران، وهو ابن لشيخ جليل من شيوخ الأردن سعد البطاينة، أحد الشيوخ المعروفين فترحمت عليه، وأكبرت ذكراه وأنا استمع لما قالوه فيه والدور الذي قام به أشتم فيكم رائحة نجيب وقال فيه الرئيس الراحل معمر القذافي عندما خاطب الوفد الأردني الذي زار ليبيا برئاسة السيد عبد الهادي المجالي رئيس مجلس النواب آنذاك: أشتم فيكم رائحة الجهاد والشهادة رائحة نجيب، نحن نقدر تقديراً كبيراً مجيئكم، وتحملكم للمتاعب حتى وصلتم إلى هنا في هذا الفصل البارد، وهذا ليس غريباً على أشقائنا في الأردن الشقيق، فأنتم دائماً إلى جانبنا ونحن نذكر عندما كنا في حالة مواجهة مع القوى الكبرى وحالة الحظر والحصار، جاءت فعاليات الشعب الأردني هنا، لتعلن وقوف الشعب الأردني والأردن حكومة وقيادة إلى جانب شقيقه الشعب الليبي، وأدى ذلك الموقف الأخوي إلى رفع الروح المعنوية لإخوتكم الليبيين في تلك الفترة العصيبة بعد أن أحسوا أن إخوتهم من الأردن ومن كل مكان هم معهم وجاءوا هنا وأكدوا أمام العالم كله أن الشعب الليبي ليس معزولاً وليس وحده في المواجهة، وإنما وراءه أمة. كان منكم الشهيد نجيب البطاينة الذي ساهم ذلك في انتصار الشعب الليبي بعد ذلك على قوى الطغيان الإمبريالي الغربي الصهيوني التي كانت متحالفة ضد الشعب الليبي وقد انتصرنا عليهم والحمد لله، ونحن عاجزون في الحقيقة عن التعبير وتقديم آيات الشكر والعرفان لكم للمجيء أنكم كنتم دائماً معنا في أوقات الشدة وليس فقط في أوقات الرخاء.. كنتم معنا لما كانت الأمور غير الأمور الآن. أما الدكتور عارف البطاينة فقد تحدث قائلاً: عندما كنت وزيراً للصحة دعيت لزيارة ليبيا وهناك تم استقبالي بحفاوة كبيرة وأمر الرئيس معمر القذافي بنقلي بطائرة خارجية لزيارة ضريح أخي الشهيد نجيب البطاينة وذلك تكريماً لذكراه الطيبة، وهكذا فقد استحق المجاهد الشهيد نجيب بن سعد العلي البطاينة لقب أول شهيد عربي على التراب الليبي. فارس الفرسان لم يحزن السيد أحمد الشريف السنوسي على أحد مثل حزنه على نجيب الحوراني، وباستشهاد نجيب رفيق السلاح ورفيق المهمات الصعبة يذكر ذلك اللواء علي خلقي الشرايري خسرت حركة النضال العربي أشجع الشجعان وفارس الفرسان وحرمنا من أفكاره واجتهاداته العسكرية وروحيته القتالية. قاد الشهيد نجيب بن سعد العلي البطاينة فصائل المقاومة الشعبية الليبية دفاعاً عن قدسية الأرض وحرصاً على كرامة الإنسان العربي؛ إن الكلام في نجيب بن سعد العلي البطاينة، إذا طال يحلو ويَعذِب النفوس التي عرفته، وما عُرف فيه وعنه إلا الإخلاص العميق لقضية الإنسان العربي وقضايا المجتمع العربي بكافة أشكالها وأنواعها…إذ كان من الصعب الإحاطة بشخصية المجاهد نجيب بن سعد العلي البطاينة صفاته ومزاياه كلها فإننا لا نملك إلا أن نستذكر جملة من مزاياه التي جعلته نموذجاً عربياً وقومياً وإنساناً مؤثراً. عودة الى معركتي الشلظيمية والكردايسي عندما تصبح المقاومة ثقافة للشعب الباحث عن الحرية والاستقلال، ينتصر التحدي بإرادة الصمود، ويهزم العدو مهما كانت قوته العسكرية، ويقهر جيشه القادم من وراء البحار لاستعمار الشعوب ونهب ثرواتها وإذلالها، وعندما يصبح قرار المقاومة بأيد أمينة ومؤمنة، يكون الانتصار حتمياً مهما طال الزمن، ومهما كثرت المعارك ومواقع التحرير.. هكذا كان شعبنا العربي الليبي البطل في صراعه مع الاستعمار الإيطالي ولمدة عشرين عاماً (1911- 1931م)، وهكذا كان (نجيب) سيفاً من سيوف المقاومة الليبية، وما سيوف (محروقة) إلا امتداد طبيعي لسيوف الشلظيمية والكردايسي، ومسوس، لأن مسافات الجغرافيا قصيرة بينها ومتقاربة على مسرح الأرض والزمن، مؤكداً على هذه الرموز المترابطة التي تلخص وتوجز أهداف المقاومة السامية وهي تنتقل من حال إلى حال وكلها كتبت بالدماء، وبالبذل السخي والفداء لطرح الدخيل الوافد من روما وبروجيا وغيرهما من مستعمرات الاستعمار الإيطالي. لم تقف القوى الشعبية الليبية على ناصية التاريخ متفرجة، بل كانت منذ تأسيس مقاومتها تمخر عبابه فاعلة متفاعلة، خاضت غماره ممتطية صهوة الزمن دون رهان، وخيول السبق للشهادة تدق حوافرها الوعر، وصهيلها يسبق الحداء، وكان لها على سطح الأرض الليبية - من البحر إلى الجبل الأخضر - محطات نور وإشعاع وكان (نجيب) على موعد مع النصر قبل الاستشهاد في معركة الشلظيمية التي وقعت يوم 28/5 1914/م، واستمرت هذه المعركة أكثر من عشر ساعات، كان (نجيب)قائدها وفارسها وجريحها، فتكبد العدو الإيطالي أكثر من ثلاثمائة قتيل يقول المجاهد شكيب أرسلان عن هذه المعركة : كانت معركة الشلظيمية فتحاً عظيماً للمقاومة الليبية، وكان الثوار أطول هاماً من النخيل الليبي وأقوى، وقدّم الشعب الليبي كوكبة من الشهداء ارتوت الأرض بدمائهم الزكية، لتنبت الحرية والكرامة، وكان عدد شهداء هذه المعركة بحدود 200 شهيدً، كانوا سداً منيعاً لمنع أو لتأخير القائد الإيطالي (مياني) من التقدم إلى إقليم (فزان) ، وجرح نجيب الحوراني في هذه المعركة، ولم يسترح لجرحه، بل ضمد الجراح، ليجرح مرة ثانية في معركة الكردايسي . بدأت معركة الكردايسي في اليوم التالي لمعركة الشلظيمية، ولم تكن أقل فعلاً من المعارك السابقة، بل كانت - كما يقول شكيب - أشد وجعاً على الجيش الإيطالي، واستعمل فيها نجيب أسلوب القتال العسكري النظامي (الكر والفر) ثم المباغتة في الجوانب، وهذا الأسلوب مكّن المقاومة من الوصول إلى الأطراف حيث قادة الفصائل من الضباط الطليان، وقتل أكثر من سبعة ضباط من الرتب المتقدمة، وتمكنت المقاومة من تدمير الأسلحة والذخيرة وحرق سيارات التموين والصحة الذي جعل الطليان يحسبون الف حساب وفي هذه المعركة جرح نجيب للمرة الثانية في كتفه وساقه، وأخرج الرصاصة التي استقرت في ساقه اليسرى وبدون مساعدة من أحد رفاقه بسكينه ، واستمر في القتال ولم يقبل الرجوع إلى الخلفبل عقل ركبايه وظل يقاتل وحاول شقيق زوجته (سنوسي) أن ينقله من أرض المعركة إلا أنه رفض رفضاً مطلقاً على الرغم من نزيف في ساقه اليسرى، وظل يقاتل حتى توقفت المعارك بانسحاب القوات الإيطالية فانتقل إلى منطقة (مسوس) حيث ينظم المجاهد أحمد الشريف صفوف المجاهدين، ويستعد لمعركة مقبلة مع الجيش الإيطالي الزاحف باتجاه المنطقة معركة مسوس و استشهاده مسوس: قرية تقع جنوب شرق (بنغازي) أسس فيها السنوسيون زاوية، والزوايا هي مركز إصلاح وتعليم أسسها الصوفيون في ليبيا وغيرها من دول الشمال الإفريقي، وهي شبيهة بالزوايا المغاربية، مثل: الزاوية الدلالية لمحمد حجي، والزاوية الوزانية لمحمد برادي، والزاوية الشرقاوية لأحمد بوكاري، وغيرها من الزوايا (الصوفية) السنية. وكانت الزوايا تقوم بمهمات علمية واجتماعية، وفي عهد الاحتلال تركز عملها على الجهاد ونشر ثقافة المقاومة . وفي (مسوس) كانت زاوية ولذلك فإن المعركة وقعت قرب (زاوية مسوس) التي هدمها الطليان وكان المجاهد أحمد الشريف قد اتخذ من (مسوس) هذه مقراً للقيادة في ظروف أذاقوا فيها الطليان صنوفاً من العذاب بعد معركة (سيدي كريك القرباع) التي وقعت يوم 16 أيار 1913، إذ تقدم الجنرال (مامبراتي) نحوها فخسر 72 قتيلاً من الجنود، و(13) ضابطاً بالإضافة إلى أسر 400 جندي، وأخذ منه المجاهدون (999) بندقية غير الأسلحة المختلفة . لم تشر الوثائق الليبية إلى أسماء قادة هذه المعركة غير أحمد الشريف، إلا أن المجاهد شكيب أرسلان أشار إلى أن (نجيب الحوراني) قادها إلى جانب الشريف السنوسي. جاءت معركة (القرباع) لتؤكد على قوة المقاومة الليبية، وقد شعرت القيادة العسكرية الإيطالية بقوة المقاومة وتمكنها من قتل وأسر المئات من جنودها، وفشلت مرة ثانية في معركة الشلظيمية، وثالثة في معركة الكردايسي، فقررت الانتقام بقوة ولحسم أمرها مع المقاومة في معركة (مسوس) حيث انتقل إليها أحمد الشريف ونجيب البطاينة، والمهدي والسنوسي، وأسسوا فيها القيادة العامة لجيش المقاومة الشعبية ، بدأت المعركة الحامية وتمكنت القوات الإيطالية من تدمير (زاوية مسوس)، وأبدت المقاومة جهاداً بطولياً كبدت فيه الجيش الإيطالي مئات القتلى، وبالمقابل خسرت المقاومة أيضاً مئات الشهداء فاستشهد (المهدي) شقيق زوجة نجيب ، وتلاه شقيقه (السنوسي)، وجرح نجيب، وكانت إصابته في الصدر وفي الفخذ قاتلة، فنقل من أرض المعركة إلى منزله لعلاجه، وبقي حياً إلى اليوم التالي ليفارق الحياة، ودفن في قرية مسوس بعيداً عن وطنه وأهله وزوجته، بعد معارك كان نجمها وفارسها وبطلها، فجاءت شهادته على الأرض الليبية تأكيداً على قومية وعروبة المعركة ضد الاستعمار في مغرب الوطن ومشرقه. الابيار ثار لنجيب بعد استشهاد نجيب، خاض المجاهدون معركة في منطقة (الأبيار) وأطلق عليها اسم معركة الثأر للشهيد نجيب الحوراني، وبعد هذه المعركة توقفت المعارك لمدة طويلة، أما قائد الثورة والمقاومة الليبية أحمد الشريف، فقد ذهب إلى استانبول واستقر فيها مدة طويلة، وأخيراً نزح عن تركيا واستقر في الحجاز، وفي سنة 1933م توفي في المدينة المنورة. الشهيد نجيب في ذاكرة الشعب الليبي ----------------------------------- يقول المؤرخ العربي الفلسطيني مصطفى مراد الدباغ في كتابه (بلادنا فلسطين) الجزء الثالث، صفحة 461: نجيب السعد ابن المرحوم سعد باشا العلي وجيه عشيرة البطاينة في قرية البارحة، اشترك في حروب طرابلس الغرب عام 1912، ضد الطليان، وكثيراً ما خاض المعارك مع أحمد الشريف. جرح مرتين واستشهد في الثالثة، وحزن عليه الشعب الليبي حزناً شديداً، وترك في بلاد المغرب العربي ذكراً خالداً . وقال يعقوب العودات (البدوي الملثم) في كتابه (القافلة المنسية) صفحة (96- 99) نقلاً عن مذكرات شكيب أرسلان، ما يلي : لم يحزن السيد احمد الشريف على أحد حزنه على نجيب الحوراني لباهر شجاعته وإخلاصه . وعندما انتقل أحمد الشريف إلى الجبل الأخضر، لم يقطع شكيب بالرسائل، وفي كل رسالة كان يترحم على رفيق سلاحه ودربه الجهادي الشهيد نجيب، يقول شكيب عن هذه الرسائل: وكان السيد أحمد الشريف يكتب لي من الجبل الأخضر، وهو وافر الثناء عليه وهو اليوم دائم الترحيم عليه، والشهيد المذكور هو نجيب بك بن الشيخ سعد العلي من مشايخ بلاد عجلون ترك في بلاد الغرب (المغرب العربي، ليبيا، ذكراً خالداً).. . وظل اسم (نجيب الحوراني) من ألمع الأسماء بين أولئك القادمين من بلاد الشام أو العراق، يقول الدكتور سعد أبو دية: ... وحدثني الدكتور عارف البطاينة أن هناك ضريح شخص من اليمن إلى جانب ضريح نجيب، وقرأت في كتاب الاستاذ الفرنسي (جورج ريمون) الذي ألقى الضوء على الزعماء والمناضلين العرب والأتراك ونشير هنا إلى أن قيادة الثورة الليبية وجهت دعوة رسمية لمعالي الدكتور عارف البطاينة شقيق الشهيد نجيب، وقام بزيارة (مسوس)، وقابل مختار القرية وحدثه عن قصة استشهاد أخيه والأثر البالغ الذي تركه في نفوس الناس، إذ أصبحوا يضربون المثل بالحزن عليه ويقولون هناك: أنت تبكين على فلان وكأنه نجيب وكرّمت الحكومة الليبية الشهيد نجيب بتسمية عدة شوارع وميادين وساحات ومدارس رئيسة في طرابلس وفي بنغازي باسمه، كلها تشير إلى الاسم (نجيب الحوراني).
بقلم زياد البطاينة