إشارة حمراء من بلد أخضر !!

خيري منصور

العدوى قدر تعلّقها بالحراكات السياسية تكون احيانا متبادلة، فاذا كانت شرارة البوعزيزي التونسية أشعلت الكثير من الهشيم العربي، فان العدوى المضادة كانت من مصر وهو التغيير الدراماتيكي الذي حدث في تونس من خلال فوز النداء .
وما طرأ موخرا على تونس من احداث اهمها مذبحة سوسة السياحية التي اراد مرتكبوها ان تتحول الى سياسة، فَرَض على الدولة اعلان الطوارئ لكن بعد فترة من وقوع المذبحة .
ويعيد بعض المراقبين هذا التأجيل الى مشاورات أجراها الرئيس التونسي مع الاحزاب والقوى السياسية في بلاده، ومما يقال حول اعلان الطوارىء ان تونس تستشعر خطرا كبيرا قادما، وهو كما وصفه الرئيس التونسي يهدد الدولة، وقد أسهمت في هذا الاجراء الاستباقي المخابرات البريطانية بما سرّبته من معلومات، خصوصا بعد ان كان لبريطانيا حصة الاسد من ضحايا مجزرة سوسة .
انها اشارة حمراء تصدر عن بلد اخضر وتونس ليست خضراء بالمعنى الجغرافي فقط، بل هي كذلك ايضا بالمعنى التاريخي سواء من حيث الشوط الذي قطعته في التمدين والتحديث وتبلور مفهوم المواطنة، او من حيث اصرار شعبها على تحصين مكتسباته لعدة عقود .
هذه الاشارة الحمراء من تونس توحي اولا بأن الارهاب قابل للتمدد وتكرار المحاولات وانه يهدف الى ما هو أبعد من قتل سواح او مواطنين ابرياء، ان هدفه اساسا هو تفكيك دول واحداث فراغ هنا او هناك يسعى لأن يملأه ويحوّل ما يسطو عليه من ارض الى نقطة استقطاب اولا ومن ثم الى نقطة انطلاق .
وما كان لتونس ان تسارع الى اعلان الطوارئ لولا ان السبب جلل، وهذا بالفعل ما اشار اليه رئيسها مؤخرا وكان يوحي لسامعيه بأن هناك ما يستحق مثل هذا الاجراء .
هكذا تصبح تداعيات هذا التمدد الوحشي لجماعات ارهابية أبعد وأشد خطورة من نزيف الدم، لأن ما تسعى اليه هو نزيف آخر من الدولة ومؤسساتها بحيث تسهل السيطرة عليها بدءا من البقع الرخوة .
وهذا التداعي وما قد يتبعه من تمدد يتطلب استراتيجية في المواجهة لا ترتهن لحادث هنا او هناك، فالحرب على الارهاب يبدو انها بالفعل طويلة الامد، خصوصا وان التباطؤ قدر تعلقه بالمايسترو الامريكي ينذر بذلك .
اشارة تونس او برقيتها العاجلة ليست موجهة فقط الى الشعب التونسي بل الى الجوار ايضا، لأن الانتشار السرطاني للارهاب اصبح عابرا للحدود ويطمح الى ان يتحول الى أوانٍ مستطرقة تشمل التضاريس العربية كلها !!