كُلـنّا دواعــش

تذوب الفوارق في المواقف , ولا تعود تُمايز بين يساري وقومي وديني , فإلغاء الآخر وتسفيه فكره ومخالفته موقف يتساوى فيه اليساري العتيد والقومي العنيد مع الإسلامي المتشدد الشديد , وكل خلافاتنا حسمتها السيوف، وكل مخالف حمل لقب الفقيد أو الشهيد أو القتيل بحسب موقف اللسان الناطق باسمه, فموقفنا من الآخر موقف دموي سواء أكان الإعدام قائما فعلاً، أم إعداما معنويا، وأدنى مراتب الاحكام هي القطيعة والمقاطعة . داعش العصابة او الدولة او التنظيم ليست استثناءً عن القاعدة وليست الوحيدة التي قامت بإعدام مخالفيها , والاختلاف بين داعش وباقي التلاوين انها تُوغل في الذبح وتستخدم ادوات قاسية واكثر اجرامية من غيرها , وهي مقلدة وليست مبتكرة فقد سبق ان استخدمت تلاوين دينية أساليبَ اكثر وحشية من داعش , سواء في المذاهب الإسلامية او في الكنائس المسيحية أو الصوامع اليهودية التي طبخت اكثر اشكال الارهاب نفوذا وتعقيدا. قتل المخالف هو الثابت في العقل العربي، أما المتحول فهو شكل القاتل ومرجعيته الفكرية واسباب القتل , فهناك قتل على الهوية تقوم به المذاهب والطوائف الدينية , وهناك إعدام المخالفين للدولة القومية وهناك اعداء لديكتاتورية البروليتاريا وهناك ضحايا خلاف الفكر الواحد والرفاق المنضوون تحت نفس الراية او الفكرة , ومنذ حادثة الفتنة في معركة الجمل وحتى يومنا هذا والقتل مجاني للمخالفين وعادة ما تبدأ الانظمة الحاكمة عهدها مع المخالفين بتنزيلات وعروض للقتل لدرجة المجاني . لا يملك العقل العربي ثقافة الحوار ومهارة الاختلاف , لأنه بالأصل لم يمتلك أدوات حسم الصراع والخلاف الحضارة , فهو لا يملك إلا عضلاته للحصول على حقه أو ما يفترض أنه حقه , كذلك لم يتعود العقل العربي أن يمارس النقد الذاتي حتى لو بين اتباع الفكر الواحد والنهج الواحد , فأكثر ضحايا الفكر الديني هم ضحايا الكهنة والقساوسة وأكثر ضحايا المسلمين من ضحايا الحروب الأهلية وحروب الطوائف والممالك , وتصفية القوميين نجحت بأيدي القوميين وكذلك اليساريين . لم يحتج العقل العربي الى خصومه كي يعقلوه بل عقل واعتقل نفسه بنفسه , فأنهى كل ادوات حسم الصراع السلمية وأغلق أبواب الأمل لحسم الاختلافات من خلال الاحتكام للناس , لأنهم بالنسبة للنخبة المجتمعية التي تشكلت من حاصل تحالف المال والدين أي الاقتصاد والسياسة , هم مجرد رعاع أو عوام على احسن تعبير , وكل المدارس الدينية السياسية اجمعت بأن العوام لا رأي لهم بل ان (المعتزلة) تطرفت اكثر بقولها " ما أجمعت العامة على أمر إلا افسدته " , فأعطت الرأي لأهل (الحل والعقد) او ما يعرف بـ”البيعة الصغرى” ثم الصلاة في الجمعة الجامعة لإثبات "البيعة الكبرى” , أي أن الصلاة خلف الإمام تعني بيعة العامة . العقل العربي لم يستهلك نفسه في ابتكار ادوات القتل واستيرادها وتثبيت الوعي الدموي حيال المخالفين , بل استنبط وسيلة عجيبة لتذويب الوعي من خلال اسقاط مهارة الحوار وانتاجيته , فالحوار العربي او النقاش العادي يبدأ نن "طبق الملفوف” وينتهي بمناقشة تصريحات الرئيس الروسي بوتين والعكس صحيح , فما من حوار محدد نجح في العقل العربي وفشلت كل محاولات إجلاس خمسة للاتفاق على مشروع او فكرة , لذلك ادركت انظمة الحكم ان افضل اشكال التسويف هو اللجان كشكل من اشكال المماطلة وعدم الاعتراف بالذنب . اليوم يستنهض العقل الديني نفسه من اجل التحشيد ضد داعش وافكارها ولامس كثيرون أبوابا محرمة سابقا , فمن يجرؤ على نقد ابن تيمية شيخ الإسلام – لا ندري من منحه اللقب , ولا ندري لماذا لم يمنحه أحد لأحد أصحاب المذاهب الأربعة مثلا " ومن كان يجرؤ على مراجعات قضايا خلافية كثيرة مثل عقوبة الزنا وحد الخمر وعلاقة الدين بالديمقراطية والمجتمع المدني والديني , لكنها لن تنتج قراراً واحداً ديمقراطياً , لأن المراجعة جاءت بأوامر سلطوية وليست نابعة من قاعدة مدنية ترى ضرورة إعادة ترتيب العقل العربي تمهيدا لخروج العقل العربي من التبعية والاستعمار والاستبداد , وطالما أن المراجعات مؤطرة وممسوكة فلا بوادر انفراج وسنبقى كلنا "دواعش” ولكن بأكثر من شكل ولبوس . د