سيدي القاضي انها الكلمه


سيدي القاضي اعرف ان الكتابه في هذا الزمن المر اصبحت جريمه يعاقب عليها القانون واصبحت تحتاج لدفاع ورسوم وطوابع واعرف أن لا جدوى من الكتابه ومع هذا فجريمتي اني لااستطيع ان اسكت .. ونحن ككتاب نرى ان علينا أن نتدواي من الوجع بالكتابة ....أليس الوجع سيدي أكبر من كل اللغات؟؟ ام انك لم تجربه ولكني معك فما جدوى الكتابة في زمن الخراب والجوع والمرض والبطالة والقهر والعطش
ما جدوى الكتابة عندما تتحول إلى ترف حين لا تستطيع الكلمات ان تقول ما يجب أن يُقال .. و يصبح الكلام فعلا فاضحا وتصبح الكلمة سراب والكاتب بقايا من وجع
!آه آه من حزني من عذابات الروح تنخر الروح وتتسلل بين أضلعي ولا املك الا الاه فهل سيدي تعلم ان كل هذا يقتل الكاتب ....
اعترف سيدي ان لن تغير كتابتي وكتابات غيري شيئا من الواقع المرير الذي نحن فيه،فهي كالنحت في صخر من الصوان لا يطولهم منه سوى شراره الحارق فلا يغير حالا .وطالماسالت نفسي ان كان هناك أي فائدة من الكتابة التي اصبحت جريمه وبات الكاتب يدفع الثمن وحده وهل علينا أن نستسلم ونكسر أقلامنا ونغلق أفواهنا بحجة أنها جريمه وان لا أحد يقرأ ولايعير للكتابه بالا الا عندما تصبح الكلمه حبلا تلتف حول عنق المعني لنتحول الى ابواب المحاكم بجريمه الكشف عن الحقيقة .....
سيدي اعتقد بل اجزم أن لاأحدا منا نحن الكتاب يدعي بأنه يملك عصا سحرية ليغير الكون ولا أظن أن عاقلا يدعي بأن كتاباته ستغير الواقع المأساوي الذي بتنا فيه بين يوم وليلة، ولكن ما أستطيع قوله بدون تردد بأن التنوير الفكري معركة طويلة الأمد تبدأ بالكلمة
فالكلمة النيرة كالشمعة وحين تتكائر الشموع المضيئة يعم النور في هذا النفق المظلم.فنرى ماحولنا .... نعم إنها عملية فكرية معقدة طويلة الأمد ويحتاج ذلك إلى كل قلم نير وإلى جهد ضخم من كل التنويريين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية ومعتقدهم الديني
كلما هممت ان اكتب اسال نفسي لماذا نكتب ولمن نكتب؟ قلت لنفسي ذات مرة:أنني أكتب ضد الوجع! !أكتب لأتنفس! !أكتب من أجل فجر آخر ،مختلف ،لا يصادره السماسرة ولا الجلادون.... وصمتي يقتلني واشعر ان الكلمات تتحول في صدري جمرا وصديد ،إن لم اقلها،إن لم أحررها من اساور الخوف وعندما آمسك قلمي لأكتب ينفجر في وجهي سؤال
ماذا تفعل هنا!!لمن تكتب!! ماذا بيد قلمك أن يفعل.... لاشيء يغري بشيء:
وحده الصمت كان يقول لي ما لا تقوله الكلما ت وحدها وحدتنا تعطي معنى لكل شيء!!حين يكون كل شيء بلون الدم !!حين يصبح العالم من حولنا زنزانة واسعةوقارئي سجان بجدران صماء تكتم التوق !!وتغتال كل جمال!! عندها لا يبقى إلا نحر الكلمه من رقبتها كالجمل الذي يذبح كل يوم نعم الصمت وأنا ليس الا ...
انا لم أختراليوم الصمت صدقوني هم الذين اختاروه (المطبلون المزمرون المنظرون المنبريون وباعة المديح المزيف أختاروا لي هذا المصير..هم .. القابعون فوق صدورنا الذين حلوا في مطرحنا ،هم من اختاروا لون الشفق ،وحدود الحلم ....وأنا،ياحزني اصبحت ريشة في مهب الريح ...... سفاح لا ينام كلنا في الهم سواء...و لنا في الوجع داء...و في الكتابة دواء...
لمن نكتب؟ و لماذا أكتب؟ من أنا؟ و لماذا أكتب ؟ إجابة مختصرة...على موضوع بحجم هذا الكون الفسيح...بحجم هذا الغموض الذي يتربع في زوايا حياتنا...بحجم الاحترام الذي أكنه لكم يا عشاق العداله والكلمة الصادقة و الفعل الجاد و العمل الصالح
..... ان الكتابة قوس قزح يأخذ مداده من حبر السماء و ينثر أوراقه على بساط الكون لوحات متعددة المواضيع متعددة الآمال متنوعة الآلام..والمحن ...نكتب لكي نلقى الله جل و علا في يوم من الأيام وقد فعلنا ماامر عندما قال ان من اعظم الجهاد كلمه حق
أكتب لأن فعل الكتابة هو تحرير من فعل العبودية لمن لا يستحقها...فهناك الحق و هناك الباطل...و بينهما يتربع فعل الكتابة.. .فانظروا لمن تكتب حتى تعلموا في أي اتجاه نكتب؟ و إذا وجدتم منطقة بين الحق و الباطل فهي منطقة الإنسان الذي يتحلى بالاختيار بينهما العتمة التي تحاج لمن يضيئها حتى تبدو جلية واضحة مشرقة و تنفض عنها الظلام و تتحلى بنور الضياء في النهار و بالسراج المنير في الليل...لكن هذا من باب المنطق و العقل
...أما من نافذة الوجدان...فالألم يمزق وجودنا و لا حول و لا قوة إلا بالله العظيم... فكم طال هذا الليل بثقل أحزانه حتى لم تعد أكتافي تطيقني فأمسيت أضع أكفاني فوق أحزاني و أبتسم للمتربص بي في كل وقت
و حين... يطاردني الليل حين أنام فيسرق أوقات ذكري و يتركني في غفلة أستحي فيها من ربي عند يقظتي... فتجد أحلامي و أحلام غيري تعتصر دواخلي لأني عاجز عن تحقيقها بكلمات...عن ترجمتها لأفعال ...هي آمالي و آمال غيري...فتجد قلقي و قد ضرب رقما قياسيا في ميزان الضغط العلوي و السفلي...و ما بينهما...فتتساقط الأسئلة تلو الأسئلة كأنها وابل على روحي...فأستغيث بربي ليكشف عني و عن غيري سوء الفهم و عسر الهضم لما نحن فيه و إلى أين يسير مركبنا وسط العواصف التي تتقاذفنا كأوراق الخريف في فضاء من القيم التي غابت مصداقيتها و استبدلت ثوبها بثوب غيرها...و أظل بينهما أقلب كفي على وقتي الضائع مني و من غيري دون أن يدري.. . لقد مر وقت كثير لم أقدم فيه كلمة تصل الى هدفها و أبني بها أملالطفل و شيخ و امراة او خريجا او عاملا أو أضع بها لبنة أو أفرج بها كربة...أو... حتى أضيف لرصيدي...إن كان العمل خالصا له جل و علا...و لم تكن أناي المتطاولة على إخلاصي قد شاركت من لا شريك له في الحق...لأنه الحق الذي به أستعين على معرفة الحق من الباطل...فالوجع صاحبنا يوم ولدنا فكانت الابتسامة في شكل دموع تحمل فرحة الوجود و بكاء يحمل سر هذا الوجود