«إفطار» خلف الأضواء

بعد ان تناولتُ قليلا من «إفطاري»، اتجهتُ الى مكان، ظننتُه»مُصلّى».فوجدته شيئا آخر. كان ثمة طاولات جرداء،ومقاعد مبعثرة، وجدار يحول بينها وبين الفراغ الخارجي.
كان ثمة مواطن، اكتشفتُ انه يشبهني، في»الضياع». قلتُ: اعتقدت ان هنا مكانا للصلاة. قال:وانا كمان. تعال نصل سوا. وفرد»سجادة صغيرة» يبدو انه قد احضرها معه من البيت. الححت عليه، كي يقوم بدور»الإمام»، ووقفتُ الى يمينه، وصلينا المغرب جماعة.
كان الهواء يعصف بنا وبالطاولات الفارغة. وسرعان ما ظهر رجال، بملابسهم البيضاء، وطواقيهم، وعرفتُ انهم من «الجرسونات» الذين يعملون بالفندق. وأخذوا يوزعون اطباق الطعام على انفسهم ويثرثرون.
ابتسمت.فقد وجدتُ اجابة عن سؤالي القديم»متى يُفطر هؤلاء» واعني العاملين بالمطاعم والفنادق.
فكلما تعرّضتُ لعزومة في شهر رمضان، يخرجُ من داخلي سؤال لا أعرف الإجابة عنه، وهو متى يُفْطر الجرسونات.
وفي كل مرة، أُفكّر بطرح السؤال، أشعر بالحرَج من الشاب الواقف أمامي، يسألني إن كانت الشوربة قد أعجبتني او كنتُ بحاجة الى أي شيء.
وفي إفطارـ سابق ـ ،كنتُ تعرّضتُ له، احتاج جليسي الى سيجارة، وقال أطلب لي سيجارة من اللي حولينا.
وعلى الفور، قلت يا جماعة في مواطن بيدخّن سيجارة في اليوم، وما معه علبة سجاير، ممكن حدا يتبرّع له بسيجارة؟
ولم أكد أُنهي كلامي حتى وجدتُ الايدي الناعمة تسابق الأيدي الخشنة بمد علب السجاير أشكالا والوانا.
ولكن الفائز منها كان الجرسون الذي فكّ زرّ قميصه وأخرج علبة سجائر من بطنه، وقال: تفضّل.
فانتهزتُ الفرصة، لأسأله: متى تُفطرون، أقصد الجرسونات؟
فقال: بعد ما انتو تخلّصوا!.
وحدث امس»الاستثناء».فقد رأيتُ «عددا من الجرسونات» يفطرون خلال موعد إفطار الكائنات العادية.
وطبعا، سألت، فقيل لي»نفطر حسب الدور».فالذي ينهي عمله، يتناول إفطاره ويعود لخدمة الزبائن وهكذا.
عدتُ الى «طاولتي» وأكملتُ إفطاري، وظلت عيناي ترقبان،الركن»الخارجي»،حيث الهواء يعصف بالطاولات والمقاعد الفارغة.حيث عدد من عمّال الفندق، يتناولون طعامهم، ويثرثرون.. بنهم شديد.