باريس هيلتون تعري واقعنا

على مدار سنوات رمضانية، استطاع الكوميديان المصري رامز جلال، جلب ملايين المشاهدين لبرنامج مقالب رمضاني، يحمل اسمه. تارة يكون المقلب تحت الأرض وأخرى في الماء، وهذا العام كان البرنامج في الجو.
البرنامج يتابعه ملايين المشاهدين، والعدد في ازدياد. أناس يريدون أن يضحكوا، ينبسطوا، في ظل حالة الدمار التي تمر بها المنطقة، فلا بأس من نصف ساعة فكاهة، تخفف وتروح عن النفس.
حسنا، لا بأس من الضحك بعد 16 ساعة صيام، ولا غرابة في أن يكون عدد المشاهدين في ازدياد، خاصة في ظل بحث المشاهد المستمر عن أمور مختلفة، تبعدهم عن شاشة الأخبار المزروعة كلها بالدماء هنا وهناك، والمغروسة طائفية ومذهبية وفئوية، وكرها للآخر وتحشيدا ضده.
الملفت للانتباه، أن برنامج المقالب ذلك يقوم على ترهيب وبث الرعب لدى الضيوف، وإيهامهم بأن الطائرة التي تقلهم في طريقها للسقوط، إثر خلل فني، الأمر الذي يدخل الرعب في قلب الضيف. والكادر الموجود في الطائرة كله مشارك في المقلب. ولزيادة جرعة الرعب يتم إقناع الضيف بأن الطريقة الوحيدة للنجاة، تتمثل في القفز من الطائرة، عبر المظلة، ولإقناع الضيف بالمشهد، فان أحدهم يقوم بهذا الدور ويقفز.
لهذه الغاية، استضاف الكوميديان المصري عددا من نجوم الفن والإعلام، كان من بينهم حتى اليوم، محمد هنيدي، زينة، لوسي، عبدالله مشرف، نيشان، وغيرهم، وكان من بين الضيوف النجمة العالمية باريس هيلتون، التي يقال إنها تقاضت على الظهور، لمدة 10 دقائق، ما يقرب من ربع مليون دولار أميركي، وهو رقم يمكن أن يسد جوع عشرات آلاف الفقراء، من المحيط إلى الخليج، كما أن الأرقام التي حصل عليها ضيوف آخرون لم تكن متواضعة، وتراوحت بين 70 ألف جنيه و200 ألف جنيه.
بطبيعة الحال، فإن القناة التي تعرض العمل، سيعود عليها بمردود مالي وإعلاني هائل، بسبب ارتفاع نسب المشاهدة، بشكل جنوني، وإقبال المشاهدين العرب على رؤية أناس يصرخون، خوفا ورعبا.
يبدو أننا كعرب، بتنا معتادين على مشاهدة الرعب والخوف في عيون الناس، من دون أن تتحرك جوانحنا، أو تتحرك فينا شعرة، ذلك جراء شلال الدم النازف في محيطنا، وبعد إن رأينا وشاهدنا فنون قتل ورعب، لم نكن نتوقعها حتى في أفلام الرعب الهوليوودية، فتعودنا على تعدد وسائل الترويع من حرق وإغراق في الماء وتفجير، انتقالا لتقطيع الأوصال وقطع الرؤوس، وغيرها من فنون، ابتكرها التنظيم التكفيري الإرهابي "داعش" و"جبهة النصرة" و"القاعدة"، والتي لا تؤمن إلا بالقتل وسيلة للحوار، وبات الحرق والقتل وجز الرؤوس عبارة عن مسلسل يومي طويل لا ينتهي. بتنا نعرف أبطاله، كما نعرف منتجه ومموله أيضا، ولذا اصبحنا نضحك كثيرا، عند رؤيتنا أحدهم خائفا مرعوبا.
هيلتون، سواء كانت تعرف مسبقا، أن ما تعرضت له كان مقلبا وتمثيلا، أم لم تعرف، ومن خلال سؤالها، عندما وضعت قدمها على الأرض، وقبل أن يقال لها إن ما حصل كان مقلبا، عن الرجل الذي قفز من الطائرة وسلامته، أشعرتنا كم بتنا قساة القلب، وكم بات الممثلون والمشاهير لدينا أبعد ما يكونون عن الشعور الإنساني، والتعاطف مع الآخر! السؤال الذي سألته هيلتون عرّى، في حقيقته، إنسانيتنا، أشعرنا أننا قساة القلب، لدرجة عدم الاكتراث بالآخر، أو ما سيحل به، أشعرتنا أن زبدة تفكيرنا: "أنا وبعدي الطوفان".
برنامج رامز، وزميله هاني رمزي، الذي يبث على قناة فضائية أخرى، ويحمل عنوان "هبوط اضطراري"، يؤكدان قساوة قلوبنا، وكم ابتعدنا عن الوداعة. عندما نضحك حتى الثمالة على رعب الآخرين، ونستمتع برؤية الخوف في عيون الآخر، من دون أن نفكر به أو نخاف عليه، وننسى أن ثمة من ألقى بنفسه من طائرة، فإن السؤال المشروع أمام إنسانيتنا يكون: أليس في ذاك كله قساوة، يبدو أننا تعودنا عليها جراء ما نراه كل يوم؟! أم أن في دواخلنا، ومن دون أن نعرف، دواعش صغيرة، قد تظهر في أي لحظة؟!