كيف تدير الدولة حملة فرض القانون؟

أطلق وزير الزراعة د. عاكف الزعبي، أول من أمس، حملة وطنية لمنع ووقف الاعتداءات على أراضي الدولة. وقبل حملة "الزراعة" بأيام، بدأت الحكومة تتحرك لاحتواء ظاهرة سرقة الكهرباء؛ المنتشرة وعلى نطاق واسع في المملكة.
وفي وقت مبكر، كانت وزارة المياه والري قد أطلقت حملات متتالية لوقف سرقة المياه، وردم الآبار المخالفة. وحققت تلك الحملات مكاسب معقولة، لكنها اصطدمت في بعض الأحيان بقلة الإرادة من مؤسسات الدولة المعنية بفرض القانون، ما اضطر وزير المياه د. حازم الناصر، أكثر من مرة، للجوء إلى أعلى المرجعيات في الدولة لاستعادة زخم الحملة، خاصة عندما كان الأمر يتعلق بشخصيات نافذة على المستوى العشائري.
ستواجه حملة د. الزعبي ظروفا مشابهة عندما تقترب من الأسماء الكبيرة، رغم تأكيد الوزير أنه ستتم معاقبة المعتدين مهما علت رتبهم أو نفوذهم؛ ففي القوائم التي سبق للزميل عبدالله اربيحات أن كشفها في "الغد"، أسماء لامعة لوزراء سابقين، وشخصيات نافذة في مؤسسات الدولة.
تاريخيا، كان الكبار في الأردن هم من يبادرون إلى الاعتداء على أراضي الدولة، وسرقة المياه. ثم يتبعهم الصغار. ولعقود، اكتفت الحكومات بملاحقة الصغار. وعندما كنت تسأل مواطنا عاديا: لماذا تتعدى على أراضي الدولة؟ كان يرد بعشرات الأمثلة عن نافذين سبقوه إلى هذا الفعل.
والكبار هؤلاء هم من صاغوا القوانين، على نحو يجعل العقوبات على المعتدين مخففة وبسيطة. وقد أشار وزير الزراعة في مؤتمره الصحفي الأخير، إلى الثغرات في قانون العقوبات، داعيا إلى تطبيق قانون الزراعة، إلى أن يتم تعديل بعض المواد في "العقوبات" في القريب العاجل.
لكن التعدي على أملاك الدولة تحول إلى ثقافة مجتمعية مقبولة، لا تكفي الإجراءات القانونية لمحاربتها. عقود طويلة من التساهل الرسمي، لا بل التواطؤ مع ظواهر خرق القانون التي حللت سرقة أملاك الدولة وأموالها، ووضعت مرتكبيها في مرتبة اجتماعية رفيعة، هي التي دفعت باتجاه توسيع نطاقها، حتى أصبحت عادة أردنية أصيلة.
حين يرى المواطن العادي بأن سارقي أراضي الدولة ومياهها يُكافؤون بالوزارة والعينية، والمناصب الرفيعة، فإنه لا يتردد لحظة في كسر خط المياه وسرقتها، أو الاعتداء على منطقة حرجية.
لو أن الدولة تعلن، ولمرة واحدة، أن كل معتد على أملاك الدولة؛ أرضا ومياها وكهرباء، ومن لم يسدد ما عليه من قروض لمؤسسات الدولة، لن يحظى بعضوية مجلس الأعيان، أو مجالس إدارات الشركات الحكومية، أو الدخول في حكومة، فسنجد المئات من الطامحين يبادرون بأنفسهم إلى تصويب أوضاعهم، والالتزام بنصوص القانون.
ستكون مثل هذه الخطوة رسالة قوية للمجتمع، وللمواطنين العاديين، مفادها أن الدولة لا تميز في تطبيق القانون بين متنفذ ومواطن، وأن زمن استباحة القانون قد ولى إلى غير رجعة.
حملة وزارة الزراعة لتصويب الاعتداءات، ستكون على مراحل، كما أعلن الوزير الزعبي. ونأمل أن تتوفر الإرادة الرسمية الكاملة في كل المراحل. يكفينا ترددا ومراوحة، فقد خسرت الدولة من رصيدها الأخلاقي الكثير، من أجل حفنة من المنتفعين.