الضلع الثاني !
قد لا يكون صحيحا وضع عناصر الاعتماد على الذات على شكل مثلث متساوي الأضلاع ، ولكن لا بأس أحيانا من تبسيط الصورة كي تصبح أكثر وضوحا ، حين نضطر إلى الإجابة على السؤال الكبير « هل نحن قادرون على الاعتماد على أنفسنا ؟ « عندها لا بأس أن نحدد أضلاع المثلث في الموارد البشرية ، والموارد الطبيعية والميزة التنافسية ، والإستراتيجيات والخطط.
في مقال سابق أشرت إلى أن مواردنا البشرية–رغم كل التشوهات–كافية لتحقيق عناصر اعتمادنا على أنفسنا إذا أحسنا تعليمها وتدريبها وتوظيفها بما يتوافق مع متطلبات التنمية وحاجة السوق ، والأهم من ذلك توفير البيئة المناسبة للتميز والإبداع والاختراع ، وتشجيع المبادرات الخلاقة التي تساهم في استكمال رسم هوية الأردن الاقتصادية ، تلك الهوية التي لا تزال غير واضحة المعالم ، رغم أنها موضوعة في إطار جميل ومبهر !
فتقرير التنافسية العالمي (2014-2015 ) الذي وضع الأردن في المرتبة الرابعة والستين عالميا والمرتبة الثامنة عربيا ، وفق المؤشرات التي يقيس على أساسها تقدم ونمو البلدان الاقتصادي ، يقول إن الاقتصاديات الرائدة قد حققت في كل مؤشر سجلا حافلا من التطوير ، والاستفادة من المواهب المتاحة ، وكذلك في خلق استثمارات تعزز الابتكار ، وأن هذه الاستثمارات الذكية كانت متوقعة بفضل نهج منسق يقوم على التعاون القوي بين القطاعين العام والخاص.
هكذا نرى العلاقة الوطيدة والمتساوية بين القدرات البشرية والمقدرات الطبيعية أو الموضوعية، ولكن مرة أخرى هل تمكنا من تحديد مواردنا الطبيعية القابلة للاستثمار في بعديه المادي والإنساني ؟ فليس كافيا أن تمتلك الدولة مصادر طبيعية هائلة كما هو الحال في الدول النفطية مثلا لكي يتحقق النمو الاقتصادي التقليدي ، فإذا لم تتوفر عناصر الإبداع والابتكار فذلك يعني أننا نتحدث عن المصدر الخام ، وليس عن تعدد وتنوع ما يمكن أن يتفرع عنه من صناعات لو التفتنا إليها لكننا اليوم في وضع أفضل مئة مرة.
أحيانا قد نضرب مثلا في شيء يبدو بلا قيمة ، ولكنه يدل على شأن عظيم ، وأنا سأضرب مثلا بالملح وأسأل كم هو مخزونه الحقيقي في بلدنا ، وكم صناعة تتفرع عنه ، ثم لماذا كل هذا الغزو لسوقنا من الملح من أنحاء الدنيا ، ومنها بلاد تستورده ثم تعيد تصديره ؟!
لعلي أردت بذلك أن أشير إلى أن الوصف التقليدي للميزة التنافسية لبلدنا لم يعد يفيدنا في شيء، وباستثناء رؤية القيادة ، والأمن والاستقرار ، فنحن لم نقنع أنفسنا بعد بقيمة ما نملك من موارد طبيعية ، وميزات تنافسية ، وقدرات ومهارات بشرية ، وذلك في غياب الاستراتيجيات والخطط الصحيحة التي تقودنا نحو الاعتماد على الذات ، وهو ما سأتحدث عنه في المقال التالي بإذن الله.