ارحموا الفن..

يحظى الفن لدى الشعوب بقيمة عظيمة ، ذلك أنه المرآة التي تعكس واقع المجتمع وأوجاعه وهمومه، ومشاكله ، ويُزجي الفن للانسان رسائل روحية غير مباشرة تخدم القيم الانسانية وتقوّي قدرة الانسان على نفسه، للوصول الى الانسانية الحقّة في التعامل مع الآخرين ..
والمسرح أحد هذه الفنون وأعظمها تأثيرا في النفس الانسانية لأنه يرتبط بالابداع حين يخلق عالما مثاليا، نشعر بحاجتنا للسمو اليه ..ويكشف جوانب خفية في مكامن النفس الانسانية ، وينقد الواقع بالتلميح لا التصريح ..فقيمة الفن ورقيه تُقاس بما يفعله في نفوسنا من ايحاءات انسانية غير مباشرة ، فلو كان النقد مباشرا لما أدّى المسرح رسالته، يقول فكتور هيجو :(كثرة الايضاح تفسد روعة الفن ) 
فالحقيقة قد تكون صادمة أحيانا لصاحبها ،لو واجهناه بها ، ولكن روعة الفن أنه يُوصل هذه الحقيقة بطريقة سلسة تلتف على عواطف الانسان وتسمو به ليبصر عيوبه ويصلح نفسه  ،يقول نيتشه : (لقد اخترعنا الفن كي لا تقتلنا الحقيقة ).
تلك هي رسالة الفن للانسانية ..
دعيت قبل أيام لرعاية احدى المسرحيات الاجتماعية لفرقة عربية  في عمان ، وفي ظني أن أحظى بسهرة تليق بحرمة الشهر الفضيل ،وان أشهد لوحة فنية راقية من لوحات الفن المسرحي الناضج في بلدنا الحبيب ..ولكن كانت الصدمة .
لم اصدق ما رأته عيناي ..ولم أتوقع ما سمعته اذناي من التهريج والسخرية الصريحة والغمز واللمز والتهكم على شعبنا الاردني وتراثه وتقاليده ..بل وطالت السخرية تقاليدنا المقدسة كالمحافظة والاحتشام ..ولم يسلم المنسف من القذع والتهكم بل طال التهكم أعظم كنز لدينا في الأردن ألا وهو الأمن والأمان.
أنا على ثقة بأن كل الذين شاركوني حضور المسرحية أصابتهم الغصة وانتابهم الأسى من المستوى الهابط لعمل يسمى مجازا(فن)أو (مسرحية )
أين الفن حين تطرق  أسماعنا الألفاظ البذيئة والعبارات النابية ..؟
بل أين الفن حين تقتحمنا المشاهد الخادشة للحياء ؟
أنا أربأ بالجمهور الأردني أن يرضى بهذا المستوى من السفاسف باسم الفن ،وأنا على يقين بأن الذوق الفني للشعب الأردني يترفع عن هذا المستوى ويرفضه 
فرق شاسع بين الانتقاد والانتقاص ، فقد يحتوي العمل الفني على نقد بالتصريح أو التلميح ..ولكن أن يحتوي على انتقاص صريح ولاذع فهنا لا يمكن أن نسميه فنا ولا يمكن أن نقبله أو نسكت عنه ..
كثير من الشعوب تنظر للمسرح كما تنظر لدور العبادة بل وتحرم الأكل في المسرح لأن له قداسة خاصة وهيبة تتجلى بأنه صورة مصغرة للحياة تختزل علاقة الانسان بالحياة وتنظمها .
ان من سنن الله في الكون أن هلاك الأمم والشعوب له مقدمات أولها أن يتاح لأهل الأهواء أن يوجهوا الناس باسم الفن  ، وينشروا فسادهم في المجتمع حتى يحق عليهم العذاب وحينها سيقع العذاب على المجتمع كله لأنه سكت عنهم قال تعالى : (واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).
اتوجه للقائمين على استجلاب عروض مسرحية لبلدنا أن يراعوا مشاعر هذا الشعب ولا يستخفوا به بحجة الفن ، وأن يراعوا ضمائرهم حين يسمحون لهذه الترهات أن تعرض على مسارحنا الرائعة ، وألا يستفزوا الذوق العام والتقاليد العربية الاصيلة 
كما أتوجه لشعبنا الأردني بتحية فخر واعتزاز لرفضه هذه الاعمال التي تعبث بوحدته واصالته ..وتنال من قيمه .. 
لذا رأيت من واجبي أن أطلق صرختي لترحموا الاجيال من هذا السقوط الاخلاقي ،وهذا السقوط في قداسة  المسرح ،وهذا السقوط في الفن  وان لم يكن بامكانكم أن ترحموا الاجيال،  فارحموا الفن الذي تنتسبون اليه