قوى الشد العكسي في الميدان

الدورة البرلمانية الاستثنائية التي انتهت أمس، كانت قصيرة، وبالكاد أنجزت شيئا من القوانين المطروحة عليها. وليس السبب شهر رمضان فقط.
هذه الدورة كان على جدول أعمالها، أساسا، مشروعا قانوني "اللامركزية" و"البلديات"، بوصفهما عمودين رئيسين في الإصلاح السياسي والإداري. وأستطيع أن أضيف إليهما مشروع قانون النزاهة ومكافحة الفساد الجديد، الذي يرث القانون السابق، ويدمج هيئة مكافحة الفساد وديوان المظالم في هيئة واحدة، واحتوى على مبدأ جديد يسمح بإلغاء عمليات الخصخصة وعقود الامتياز إذا ثبت أنها انطوت على فساد، وهي خطوة ثورية تُرضي الأردنيين الذين يعتقدون، على وجه العموم، أن عمليات الخصخصة لم تكن سوى "نهب صريح لمقدرات البلاد وثرواتها".
لكن قوى الشد العكسي تملك قدرة فريدة وكامنة على مناهضة الإصلاح. فهذه القوى تتماهى مع التوجه العام في البلد، ثم في الوقت والطريقة المناسبين تحبط التغيير أو تفرغه من مضمونه. وهذا ما يحدث الآن مع القوانين الإصلاحية، وفي مقدمتها قانون اللامركزية. 
فقد تصدر هذا القانون جدول أعمال الدورة الاستثنائية، ثم فجأة أحاط به اللغط الغامض، وكاد يوضع على الرف، لولا أن أحدا لم يرغب في تحمل المسؤولية الصريحة عن القرار، فأعيد القانون إلى جدول أعمال الجلسة العامة أمس. لكن، كان معلوما أن الاجتماع، وهو الأخير في هذه الدورة الاستثنائية، بالكاد سيتسع لبحث مشروع مدونة السلوك النيابي، وهي البند الأول على جدول الأعمال.
قوى الشد العكسي لم تهاجم مشروع قانون اللامركزية لأنه يحقق المزيد من الديمقراطية، والتمثيل الشعبي، والمشاركة في القرار والرقابة على مستوى السلطات المحلية؛ بل العكس. فالحجة كانت أنه شديد التواضع، ولا يحقق شيئا. لكن مشروع القانون كاملا في عهدة المجلس، وكان يمكن إدخال كل التغييرات المناسبة عليه. وشاعت أيضا بشأن "القانون" الفرضيات التآمرية؛ حول تفتيت البلد وترسيخ الجهوية، تساوقا مع المخططات المرسومة للمنطقة. وعلى صعيد أكثر واقعية وإقناعا، كان يقال إن البلد أصغر من أن يحتاج إلى هذه الفكرة المستوردة المناسبة لبلدان مترامية الأطراف؛ أو أنها متعجلة والإدارة المحلية غير مؤهلة. والحقيقة أن المشروع تباطأ كثيرا؛ فهو على الطاولة منذ عقد، وتحجّم حتى وصل إلى ما هو عليه.
المشروع، على كل حال، يمكن اعتباره نقطة بداية؛ فهو يضع الهيكل الأساس، ثم يمكن التدرج في نقل الصلاحيات حسب مقتضى الحال. وبإمكانهم التدخل بالنقاش للتغيير في القانون طولا وعرضا، ليصبح بمستوى الطموح، لكنهم لم يفعلوا. واللجنة النيابية المشتركة فتحت حوارا مع كل الأوساط في البلد. لكن، يجب الاعتراف أن هذا الحوار لم يكن فعالا، وغالبا ما كان المشاركون يأتون بانطباعات خاطئة من دون قراءة مشروع القانون. وبعرضه مع مشروع قانون البلديات، كان يحصل تشتت بين القانونين. ثم تحت ضغط السرعة لإدراجه على جدول أعمال الدورة الاستثنائية، لم يتم إنضاج حوار حقيقي في الوسط النيابي. وتستثمر قوى الشدّ العكسي ذلك لإشاعة جو سلبي حول القانون.
في المحطة الأخيرة، عندما أُرسل القانون من اللجنة إلى المجلس، بدأت رسائل غامضة تظهر. وقيل إن الرسالة من رئاسة الأعيان أنها سترد القانون إذا ردّه النواب، والرسالة من الحكومة أنها لا تعارض تنحية القانون. رئاسة النواب تضايقت مما يبدو أنه توجه لجعل النواب رأس حربة، يتحملون دم القانون أمام جلالة الملك، فجاءت الحكومة إلى المجلس للتفاهم، وكانت محصلة التسوية إدراج المشروع على جدول الأعمال، بينما المعلوم أن الدورة ستنفض قبل بحثه، فيكون التأجيل والحصول على هامش إضافي من الوقت هو الحل.