«داعش».. إذ يكتب جدول أعمال المنطقة!

الكل يتحدث عن داعش وارتكاباته التي لم تعد تستثني أحداً, وكأن «المخلوق» الإرهابي الذي «استولدته» اجهزة الاستخبارات ووكالات التجسس والغرف السوداء قد تمرّد على الجميع, وراح يستعرض امكاناته وعضلاته ويقول بالدم والحديد والذبح والتفجير, انني اتحدى الجميع وعلى من يريد منازلتي أو مقارعتي ان ينزل الى الساحة.
هكذا اذاً «يحتفل» داعش بمرور «أول» عام على اعلان دولته ويطفئ «شمعتها الثانية» بمزيد من الارهاب الذي يتوزع على ثلاث قارات في اوروبا وافريقيا واسيا, ولو كان بمقدوره ان يطال إحدى الاميركيتين لما تردد, وربما يكون هو الان في وضع التخطيط واحتمالات التنفيذ, ما دامت الاطراف المُنخرطة فيما يسمى تضليلاً الحرب على الارهاب, تصرف النظر عمّا يقوم به داعش, بل هي تصمت (اقرأ تتواطأ) على الدعم الذي يلقاه هذا التنظيم الاجرامي من دول معروفة بل حليفة وعلى رأسها تركيا اردوغان, الذي تقول كل وسائل الاعلام ذات الصدقية منها وخصوصاً تلك المرتبطة بالاجهزة الامنية والاذرع الاستخبارية الغربية, أنها (انقرة) متورطة في دعم داعش وتسليحها وتقديم كل التسهيلات اللوجستية بما في ذلك المشافي الميدانية ومعسكرات التدريب والتنقل.
واذا كان الذين لم يتوقفوا عن الاحتفال بانجازات داعش واجتياحاتها العديدة, وابدوا ارتياحاً لسيطرتها على مناطق شاسعة في العراق وخصوصاً سوريا, ولم يترددوا في إعلامهم المُضِلل والخادِع والمُفبرِك في وصف داعش والنصرة بأنهما تنظيمات «معارضة», ولم يخجلوا من التحالف معهما من اجل تشكيل جيش وصف زوراً بأنه «جيش الفتح», وراحوا يُسوقون تنظيماته وألويته وعصاباته, بل وأخذوا يبشروننا بأن حصار دمشق قد اقترب, وأن بعض «جيوب النظام» في درعا والحسكة في طريقها الى السقوط, وأن مسألة اطاحة النظام السوري هي مسألة وقت ليس الا, فإن عليهم الآن – إن امتلكوا الشجاعة والجرأة وخصوصاً الانسانية – أن يُعيدوا حساباتهم وأن يسألوا عن «اليوم التالي» بعد أن يصبح داعش هو القوة الأولى الباطشة في المشهد السوري, وما هو عليه من «سيولة» في العنف والاجرام والخطف والقتل, وبعد ان يُصبح لكل عصابة «امارتها» أو ملاذها الآمن او يتم تقسيم البلاد الى كانتونات طائفية او مذهبية او عِرقية, وتغدو سوريا ساحة للفوضى والانفلات غير الخاضع لأي ضوابط او معايير؟
الان وهنا، تتجاوز مسؤولية الدماء التي سُفكت والارواح التي أُزهقت والخراب الذي حلّ بالمساجد والمرافق السياحية والعمران وقطع الرؤوس في فرنسا.. داعش وعصابته، الى الذين ظنّوا انهم في منأى عن اجرام هذا التنظيم الذي فاقت وحشيته وارتكاباته الفظيعة كل الحدود والمعايير والتصورات، وهم لفرط سذاجتهم او سوء نياتهم، اعتقدوا انهم إذا ما «هادنوا» داعش او موّلوه او روجوا لـِ(سُنِيّته) وراحوا يُشيطنون الانظمة التي يدعي داعش محاربتها او يُكفّرون مذهباً اسلامياً معيناً ويحولون الصراع–كما يريده داعش–الى صراع سنّي–شيعي، فإن «رحمة» داعش وبركاته ستحّل عليهم ولذلك اطمأنوا عندما وضعوا الأفعى في صدورهم او قاموا كالحواة بـ»ترقيصها» على أنغام الطائفية والمذهبية، لكن لداعش حساباته ولـِ(خليفته) برنامجه, وللدائرة الاولى المحيطة به اهدافها التي لا ترى أحداً مسلماً في هذه المنطقة إلاّ هي وان «نسختها» الاسلامية هي النسخة الوحيدة القابلة للتطبيق, في عصرنا «الداعشي».. هذا.
آن الاوان للتخلي عن كل الاوهام والخزعبلات والنكايات والكيد السياسي الذي تمارسه انظمة عربية معروفة ضد انظمة عربية اخرى, وأن تسعى الى طرح مقاربات اخرى ناتجة في الاساس عن مراجعات عميقة وحقيقية, تضع اولويات المرحلة الراهنة بعد ان فشلت في ضبط التنظيمات والالوية والكتائب الارهابية التي فرّختها ورعّتها ومولّتها وسلّحتها وروّجت لها, كمنظمات «ثورية» تنشد الحرية لشعوبها, فإذا بها نسخة اخرى مشوهة عن «القاعدة» واكثر تخلفاً من طالبان وأسوأ مما يمكن للمرء ان يتصوره عن التطرف والظلامية والتكفير الذي ساد في ربع القرن الماضي، بعد أن شجعته أجهزة وانظمة عربية معروفة, لم تعد تملك القدرة او الحجة على انكاره.
ليس لمصلحة أحد ان يكتب داعش جدول اعمال المنطقة, ويسيّر امورها ويحدد مساراتها, لان الذي سيدفع الثمن اولاً هي الانظمة (وشعوبها) التي ما تزال ترى في ما يحدث في سوريا «ثورة» بالمعنى الاجرائي للكلمة.