الأردني الصبور والأردني (المحروقة بصلته)

للسن أحكام ولذلك يوصف الشباب بالاندفاع والحماسة، واستعجال الامور، وحين قامت مجموعة وطنية منهم بدافع حب الوطن والخوف عليه الى المطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد من خلال ما سمي باعتصام مفتوح الى حين تحقق الاهداف، كان الامر محيرا بالنسبة لي باعتبار عدم قدرتي على قياس المسافة الزمنية بين الاهداف النظرية والنتائج العملية، وهذا بالطبع مرتبط بطبيعة المطالب والاهداف، ومنها قانون انتخاب وانتخابات نزيهة شفافة، محاكمة الفاسدين، حرية التعبير والعدالة الاجتماعية وأعلام مستقل، هذه اهم عناوين المطالب والاهداف.

 

اذن سنجلس في الخيام نتفيأ الظل الظليل تحت جسر دوار الداخلية ونترك بيوتنا وأعمالنا الى أن تتحقق المطالب، وسنوجه مكبرات الصوت نحو مكتب محافظ العاصمة مباشرة الى أن يخرج علينا معلنا أن المطالب تحققت.

 

كم هو الوقت المطلوب لفتح كل ملفات الفساد ابتداءاً من جمع المعلومات مرورا بالتحقيق فقرار الاحالة الى المحاكمة وحق الدفاع وإصدار الاحكام؟؟ نحن نعلم أنه لا يمكن انتهاء أي قضية مثل تلك القضايا بأقل من عام الى عام ونصف حتى يصدر الحكم.

 

وكم هو الوقت المطلوب لإنجاز قانون انتخاب يحقق التوازن ويرضي الشريحة الاكبر من المجتمع ومن ثم أجراء انتخابات نيابية على أساسه؟؟ ستة أشهر؟؟ مدة معقولة.

 

وكم هو الوقت المطلوب لإنجاز تعديلات دستورية نتحاور حولها ونصل الى اتفاق عليها ثم تأخذ مراحلها الدستورية لإقرارها؟؟ لا أقل من ستة أشهر.

 

هكذا إذن يلزمنا من ستة أشهر إلى عام حتى نشاهد تحقق عدد من مطالبنا فهل كان منطقيا أن يستمر الاعتصام كل هذه المدة لو ترك المعتصمون وشأنهم وتجنبنا حدوث ما حدث مما نستنكره ونرفضه.

 

بالمحصلة فان المطالب لا تتحقق بكبسة زر فهناك إجراءات دستورية وتشريعات تحتاج الى تعديل واختصاصات لا بد من مراعاتها، واذا ما قال أي مسؤول أنه يحتاج الى ثلاثة شهور لإنجاز الاصلاح فانني سأقول أنه متسرع ويريد (سلق ) الامور تحت وطأة ضغط الشارع.

 

المشكلة التي نواجهها ليست الاتفاق على الاصلاح فكلنا متفقون من أعلى الهرم الى قاعدته على ضرورة تواصل مسيرة الاصلاح، وانما المشكلة أن حكومات متعددة أفقدت المواطن ثقته واطمئنانه الى تصريحاتها ووعودها حتى أنقطع حبل الثقة بين المواطن والمسؤول وبات يحسب كل الوعود مجرد عملية شراء وقت حتى ينقضي أمر الحكومة الى حكومة تخلفها.

 

المواطن معذور فالتجربة أكبر برهان ولذا فان الأردنيين الصبورين أصبحوا قلائل وأخوتهم (المحروقة بصلتهم) هم الكثرة الغالبة، غير أن ما لا يدركه كثير من شبابنا أن قطار الاصلاح الذي يمر بنا هذه المرة قطار عابر للحدود ولا غنى ولا مفر من جدية خطوات وبرامج الاصلاح هذه المرة وأولها تمتين عرى الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي للدولة و توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار وتحصين الادارة العامة من الفساد وحماية حرية التعبير والتنظيم السياسي وتعزيز استقلال القضاء التام وأعادة الاختصاصات المسلوبة منه، تلك هي المصدات التي لابد منها وبغير ذلك كله واذا ما كنا نناور في الوقت فاننا سنجد أنفسنا في عين عاصفة (التسونامي) التي تهب على المنطقة.

 

نحتاج الى أن نثق ببعضنا بالاضافة الى شيء من الصبر الجميل.