الجاهات وضرورتها..

من الشائع في المجتمع الأردني -وهو موجود أيضاً في الدول العربية المجاورة- وغيرها أنه عند طلب يد عروس أو إجراء صلح عن حادث، وفي الحالات المماثلة يجري ذوو الشأن اتصالات بأقاربهم وأصدقائهم لعمل جاهة، يكون على رأسها شخصية معروفة، وذلك للقيام بطلب العروس أو عقد الصلح أو ما شابه..
وهذه العادة المنتشرة يبالغ البعض فيها على اعتقاد منهم أنه كلما كانت الجاهة كبيرة دل ذلك على أهمية أهل العريس في حال الزواج وأهمية العائلة في حالة الصلح أو غيره..
وقد بلغت المبالغة حدا دفع بالبعض الى تأليف جاهة تجاوزت 300 شخص..
وأذكر أن صديقاً لي أراد خطبة عروس من عشيرة كبيرة في حينه ودعاني الى المشاركة فيها.. فوجدت أن الجاهة تتألف من أكثر من 300 شخص ركبوا نحو مئة سيارة أو أكثر، وسرنا جميعا في صف عطل السير وأضاع البعض الطريق، لأن الإشارة الضوئية لا يمكنها أن تظل على لون واحد لمرور أكثر من مئة سيارة.
وهكذا وصل البعض ولم يصل البعض الآخر، ومضى الوقت في الانتظار والاتصال الهاتفي حتى وصول البعض الآخر ومضى على الوقت المحدد للبدء في مراسم الطلبة أكثر من ساعة.
وقد كتبت هذا المقال لمحاولة إقناع البعض بأن كبر الجاهة ليس هو الوسيلة لتعيين مقدار أهمية العائلة أو العشيرة، لأن ذلك أمر تعينه أشغال العشيرة أو العائلة ومقدار ما يقوم به شخصياتها وأعضاؤها من أعمال في خدمة المواطنين أو في أهمية المراكز التي يشغلونها في المجتمع سواء كانت مراكز حكومية أو أهلية.
فمركز نقيب أحد النقابات المهنية أو مدير شركة أو بنك أو صاحب فندق كبير أو مستشفى أو مكتب دراسات أو منظمة مجتمع مدني لا يقل شأنا عن مركز وزير أو مدير. ولكن الأمر ايضاً لا يتوقف على أهمية مراكز أصحاب الجاهة بل يتوقف على أهمية شخصياتهم في المجتمع.
فهناك بعض الشخصيات المتقاعدة أو المعروفة بعمل الخير أو النشطة في إصلاح ذات البين أو وجوه العائلات ممن هم قادرون على القيام بقيادة الجاهة.
ومن الضروري في اعتقادي أن تكون الجاهة بعدد مناسب لا يزيد عن ثلاثين شخصاً؛ لأن العدد كما ذكرت لا يقدم ولا يؤخر في أهمية العائلة أو المناسبة، وذلك يوفر شيئاً كثيراً في الوقت والمال وازدحام المرور وراحة الطرفين.
وفي النتيجة فإن الجاهة تذهب لتوثيق أمر محسوم، لأن عائلتي الخاطب والمخطوبة يكونا قد اتفقا على كل شيء.. وما الجاهة إلا لإعلان الاتفلاق لا أكثر ولا أقل.
وأذكر أنه عندما جاءني والد العريس الذي هو من عشيرة كبيرة تتكون من قريتين كبيرتين في الشمال، ويعد أفرادها بالألوف، لطلب يد ابنة أختي مني، لأن والدها متوفٍ، وسألني عن الجاهة التي أرغب بمجيئها للخطبة قلت له إنني لا أقبل أي جاهة تزيد عن عشرة أشخاص، فلست أطلب جاها ولا وجاهة والأمر بين عائلتين، وخاصة أننا عند العرس ندعو المئات، وتتحقق الغاية الكبيرة من الإعلان.. وهكذا كان.