الخراب كبير .. كيف نعيد بناء الإنسان وتوحيد المجتمع ؟!

وزير الخارجية الايراني ظريف يتوقع نهاية المفاوضات والاتفاق بشأن الملف النووي في نهاية الشهر . وطهران تنتظر الحدث على احر من الجمر من اجل توقيع الاتفاق ، وطي الملف النووي ، اليوم قبل الغد، لأن التوقيع يحرر دورها في المنطقة ويطلق يدها، ويمنحها هامشا اوسع لخوض معركتها المعلنة في الازمات الداخلية في العراق وسوريا ولبنان .
ولكن الثابت حتى الآن ان الولايات المتحدة التي تقود هذه المفاوضات تسلك اتجاها معاكسا يقضي بتأجيل التوقيع لادامة انشغال ايران وتقييد تدخلها المعلن والسري في الشؤون الداخلية للدول المجاورة ، في الوقت الحاضر على الاقل .
نحن نعرف ان لدى الادارة الاميركية مشروعها، ونواياها المبيتة لاحتواء ايران ، ونقلها من مرحلة الحصار الى مرحلة الاحتواء ، لكبح جموحها وتقييد اندفاعها وتدخلها في شؤون الدول المجاورة ، وبالتالي منح اسرائيل شيئا من راحة البال ، ضمن صفقة شاملة تقود الى انهاء العقوبات ورفع الحصار تدريجيا .
ولكن اعلان الرئيس الاميركي ، أكثر من مرة ، عن سقف زمني لمحاربة داعش والحاق الهزيمة بالتنظيم يمتد الى خمس سنوات يؤكد ان لدى الادارة الاميركية برنامجها ومشروعها ونواياها التي تثير الشكوك ، وقد يتطلب تنفيذ المشروع عدم اعطاء طهران هذه الفرصة، حتى اكتماله .
واعطاء «تنظيم الدولة» هذا الهامش الزمني ، وبيعه هذا الوقت ، يعني ادامة القتال والتخريب والتدمير لفترة زمنية كبيرة ، وتحويل الاقتتال الاهلي الى حرب دينية تكون نتائجها وخيمة ، أولها انهاك الجيوش وتفكيك الدول وتفتيت المجتمعات ، وتكريس التقسيم الطائفي والعرقي في معظم اقطارالوطن العربي الكبير، وظهور الهوية الطائفية على حساب الهوية الوطنية والقومية للامة .
هذا يعني بوضوح ، ان واشنطن تستخدم ادواتها العربية والأقليمية ، بهدف تحويل الصراع من اقتتال على النفوذ والسلطة والثروة الى حروب مقدسة تبرز فيها الشعارات والعوامل الطائفية ، وبالتالي تحقيق اهدافها باقامة الشرق الاوسط الجديد بحدوده الجديدة حسب التقسيمات على القاعدة المذهبية والعرقية والقبلية .
وامام هذا المشهد ، او المشروع المشبوه ، نتساءل : من يستطيع وقف هذا التدهور الذي وصل الى نهاية الطريق ، واعني القاع ؟!
من يستطيع وقف هذه الهستيريا التي اجتاحت معظم الاقطار العربية تحت عناوين مختلفة وشعارات مستوردة ؟!
وفي النهاية نسأل : ما هو البديل ، او من هو البديل؟!
الحقيقة ان المتوفر ، والموجود في ساحة الصراع ، ومن يتصدر المشهد الدموي ويبشر بمزيد من العتمة، ليس هو الحل لأنه هو الاسوأ . فالمواطن العربي لا يرى داخل المشهد سوى تنظيمات متطرفة متوحشة ، ومليشيات طائفية متعصبة متسلحة بحقد تاريخي ، وقياداتها مرتبطة بالخارج ، لها اجندات اقليمية ودولية ، على حساب مصالح الوطن العربي والامة وهويتها.
وعندما نقف امام المشهد الذي يمثل الواقع العربي والوضع الاقليمي الراهن ، نرى ان الافق يضيق ، وأن الوطن العربي الكبير يختنق ، ويعود الى مرحلة ما قبل الدولة ، وان هناك من يسعى الى اخراج الامة العربية من التاريخ وطمس هويتها القومية . نعم ، الامة تعبر اصعب واعقد مرحلة ، ولكن لا بد لهذا الاعصار ، او الزلزال من نهاية ، وعندها سنتبين مدى الخراب ، وقد يكون من السهل اعادة اعمار البنية التحتية والبنايات والجسور ومؤسسات الدولة ، ولكن السؤال الصعب هو : كيف نعيد تأهيل وبناء الانسان الذي دمرته الحرب واصابه الخراب ، وكيف سنعيد بناء المجتمع الذي شوهته الاحقاد والتعبئة الطائفية ؟ ... هذه هي المسألة ..