أحزاب أم شركات؟

ما الذي يعنيه ارتفاع عدد الأحزاب إلى 34 حزبا، فيما عدد المنضوين تحتها أقل من 40 ألف شخص، في بلد يزيد عدد سكانه على 10 ملايين نسمة؟ أبعد من ذلك؛ هل لدينا حزب أم شركة يملكها "زعيم أوحد"، يقوم على تدشينها من يملك ثروة ويبحث عن نفوذ في فضاء السياسة، حتى لو كان شكليا؟
الواقع الحالي يشير إلى أن غالبية الأحزاب أمست لأصحاب المال؛ فمن لديه القدرة المالية يجمع من حوله عددا من الأسماء، ويبدأ بماراثون الإنفاق على مؤسسته الجديدة. ويصبح هو، من دون منافسة مع أحد، "الكل بالكل"؛ فهو رئيس الحزب وأمينه العام ورئيس مكتبه التنفيذي وكذلك السياسي، وهو أيضا المعيل الأول والأخير للحزب واحتياجاته. أو ليس الحزب بهذا المعنى شركة خاصة، لا علاقة له بالوصول إلى السلطة أو التعبير عن الناس والمجتمع؟
لا يكفي أن كثيرا من الأحزاب لا تملك أي رؤية اقتصادية أو برامجية قابلة للتطبيق، تتعدى الشعارات والكلام الفضفاض، بل كثير منها يعاني من إشكاليات إدارية، وأخرى تتعلق بتجاوزات مالية بحيث يصل الأمر إلى شبهات فساد. فقبل بضعة أشهر، غرق حزب بقضايا مالية متصلة بعدم إفصاح إدارة الحزب عن أموال تلقتها من جهة رسمية، وتوالت الاستقالات وبالعشرات، ولم تعلن قيادة الحزب المعارض عن هذه الأموال التي تقدر بنحو 50 ألف دينار. وفي سياق ذي صلة، فإن التقرير المالي للحزب ذاته أظهر إنفاق مبلغ 24 ألف دينار من إجمالي قيمة الدعم المقدم للأحزاب وفقا للقانون، بينما أكدت شخصيات مطلعة في الحزب أن الفعاليات التي أقامها لم ترتق إلى نصف هذا المبلغ.
وفي رسالة وصلت كاتب السطور، فإن حزبا آخر حرم موظفين لديه لسنوات طويلة من حقوقهم المالية والإدارية، بعد أن استغنى عن خدماتهم من دون إنذار مسبق. وتروي الرسالة كيف تم فصلهم من غير وجه حق، وتحدثوا أيضا عن أوضاع مالية مزرية داخل الحزب تكشف ضعفا وهزلا وغيابا للمحاسبة. ليس هذا وحسب، بل إن الموظفين المفصولين يخافون الكشف عن أسمائهم، خشية أن تصلهم يد "الحزب" الضاربة. وإذا كان ذلك يحدث في الأحزاب، فمن سيتكفل بالسعي إلى تحقيق العدالة الاقتصادية للمواطنين، وتحسين مستوى معيشتهم والدفاع عن حقوقهم المالية؟!
صورة مالية واقتصادية غير وردية، تكشف ما يجري في البيت الحزبي. والشبهات تشمل دورة الاقتصاد في معظمها. فحزب ينفق من مال حكومي، ولا يضع نفقاته في الميزانية ولا يظهر الدعم المقدم في سجلاته؛ وآخر يفصِل ويفتئت على حقوق موظفيه في الواقع، بينما يتغنى بالعدالة الاجتماعية؛ وثالث لا يملك برنامجا اقتصاديا؛ ورابع يتحكم رئيسه بكل شاردة وواردة فيه لكونه يملك المال الذي ينفق من خلاله على الحزب وعدد من قياداته.
غير أن المخاوف في المرحلة المقبلة تبدو أكبر من هذا التشتت والتشرذم في تكوين الأحزاب وسيطرة أصحاب المال عليها. ففي القانون الجديد الذي أقره البرلمان مؤخرا، تم تخفيض عدد المؤسسين من خمسمائة عضو إلى 150 عضوا، ما سيتيح لكل رجل أعمال أو أي شخصية اقتصادية ترغب في البحث عن نفوذ سياسي، بتشكيل حزب والسيطرة عليه عبر الإنفاق على أعضائه.