الرفاعي: رئاسة الوزراء ليست ملكاً لأحد ليقوم "بتوريثها"
اخبار البلد
اعتبر رئيس الوزراء الاسبق والعين سمير الرفاعي أن الانتماء لاسرة "اشتغلت بالسياسة، وعملت بالعمل العام، وخدمت الوطن" لا يعني "الإدانة وفي نفس الوقت لا يعني التميّز".
وتحفظ الرفاعي على تسمية "العائلة السياسية"، خلال إجابته عن سؤال عبر صفحته الفيسبوكية.
وجاء على صفحة الرفاعي:
سؤلت السؤال التالي عدة مرات وآخرها على هذه الصفحة: "دولة الرئيس، تنتسب إلى عائلة، كان لها حضور كبير في التاريخ السياسي الأردني، ومن أفرادها عدد من رؤساء الوزراء السابقين. وهذا الإرث، يرى محللون أنه كان سبباً مبكراً، لرفض البعض لظاهرة "العائلة السياسية"، والتي تعني، بالنسبة لهم: "التوريث السياسي".
الجواب:
- أنا لا أعرف ما هو المقصود "بالعائلة السياسية" هناك عائلات أو أسر اختار بعض أفرادها العمل السياسي والخدمة العامة ، بينما اختار آخرون منهم المهن والعمل الحر. وهذه الحالة معروفة على مستوى العالم وعلى مستوى الوطن العربي. وتاريخ الحياة السياسية في العالم العربي، يشير إلى بيوتات كريمة، انشغل بعض أفرادها بالعمل السياسي، ولم يعرفوا عملاً آخر. وهي حالة يمكن أن تجد لها تشابهاً في العديد من المهن، فمثلاً، في بلادنا، تجد عائلة أو أسرة انخرط العديد من أفرادها في الإعلام؛ ذكوراً وإناثاً. وهذا موجود وبشكل لافت، مثلما أنه موجود في العمل الحزبي والنقابي وفي المعارضة السياسية.. ولدينا عائلات كريمة قدّم كل بيت منها كوكبة من رجالات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الكبار والمحترمين. وهناك عائلات يعمل أفرادها في مجالات المحاماة أو الطب أو الهندسة أو حتى في مجال الإرشاد الديني وعلوم الفقه الإسلامي.. أما في القطاع الخاص، والبنوك والمصارف، وغيرها، فالشواهد كثيرة، ومؤثرة ومعروفة.
- لدينا إذن، عائلات كريمة أسهمت بخدمة الوطن، في مختلف الميادين. ولا يعيبها أبداً أن تكون قدمت قيادات فكرية أو سياسية أو اقتصادية. أما حين نتحدث عن العائلة السياسية، فأنا أتحفّظ على هذا المسمّى، لأن "العائلة السياسية"، ينبغي أن تكون هي "الحزب السياسي"، كما هو الحال في الديمقراطيات العريقة. وقد تجد أفراداً من نفس الأسرة، حاضرين في حزبين سياسيين على النقيض الفكري أو البرامجي. وهذا ما نأمل بالوصول إليه.
في حالتنا الأردنيّة، من الأفضل، ومن حيث العدالة والأمانة أن يُصار إلى تقييم الأشخاص، والسياسيين، بالذات، تبعاً لأدائهم، ولظروف المرحلة التي عاشوا فيها، ولمعايير كل زمان وخصوصياته، وبعيداً عن العموميات والخضوع للأحكام المسبقة، أو الجاهزة. وبالنسبة لي، فأنا أعتز بخدمة أفراد عائلتي للقيادة الهاشمية الشريفة وللأردن الغالي وللشعب الأردني النبيل الأصيل، الأبي الوفي. ومنهم جدي سمير الرفاعي، وجدي بهجت التلهوني ، وعم والدي عبدالمنعم الرفاعي الذي ألف قصيدة السلام الملكي في الثلاثينات من القرن الماضي، ووالدي. وبكل صراحة، فإن هذه السيرة لأفراد عائلتي في الخدمة، هي مصدر اعتزاز ونقطة توازن في ضميري ووجداني؛ فأنا أنتمي إلى عائلة خدمت الأردن وأعطت أفضل ما لديها. وهذا عندما كانت الخدمة صعبة وخطيرة وفي أصعب المراحل، عندما كان المسؤول هو مشروع شهيد، وعندما كانت التحديات تستهدف كيان الأردن ووجوده. والتاريخ، دائماً، يسجّل بأمانة أدق التفاصيل، ويتركها للباحثين والمحللين والسياسيين، ليقرؤوا من صفحاته، ويستلهموا الدروس.
- وبالمناسبة، فإن انشغال أفراد من عائلتي، منذ تأسيس الإمارة وثم المملكة، بالعمل السياسي والوطني، حال دون انشغالهم بأي عمل تجاري أو خاص. ولم يسجل على أيّ فرد من أبناء عائلتي، ممّن كرسوا حياتهم لخدمة الأردن، في مختلف المراحل، أنه جمع بين العمل الحكومي والتجارة. هذا لم يحدث في تاريخ عائلتي. وليست لدينا أيّة مؤسّسات اقتصادية نملكها أو نملك أسهمها. وأنا، في كل دفاعي عن القطاع الخاص ودوره في الحياة العامة؛ أؤكد رفضي، دائماً، للخلط بين المصالح، والجمع بين الوزارة والتجارة وهذا ما دفعني لأتقدم بحكومتي بمدونة سلوك للوزراء وضعت علينا قيود أخلاقية إضافية على ما هو موجود في الدستور.
- إن رئاسة الوزراء ليس ملكاً لأحد ليقوم "بتوريثها" ، بل هي تكليف سامي من جلالة قائد الوطن لأداء الواجب وأنا شخصيا أعتز بجدي المرحوم سمير الرفاعي وأتشرف بحمل اسمه ، وقد ولدت بعد وفاته رحمه الله. كما أفتخر وأعتز بخدمته لملكيه ووطنه. ويذكر التاريخ السياسي الأردني، أحداثاً جسيمة، كان إخلاص جدي سمير الرفاعي، فيها، مضرباً للمثل، ممزوجاً بالخبرة والكفاءة والحكمة السياسية، وهي ما أهلته ليحظى بثقة قادة آل البيت، منذ حكومته الأولى عام 1944م، وقد شغل قبلها منذ حقبة الثلاثينيات مواقع قيادية متقدمة في المسؤولية، ثم حكوماته المتتالية في أصعب المراحل، بل والمنعطفات التاريخية، التي استهدفت الأردن ككيان وكهوية وكرسالة. كما يسجل التاريخ للمرحوم سمير الرفاعي إسهاماته التشريعية والدستورية، في دساتير الأردن، بعد الاستقلال، وحتى ميثاق جامعة الدول العربية، حيث كانت له يد وبصمة مهمة في صياغته والتوقيع على دخول الأردن عضوا في الجامعة العربية ...
- وكذلك، كانت حكومات سمير الرفاعي، تمثّل فرصة للشباب الوطني الأردني، المتعلم، والمسيّس، للانخراط بالعمل العام، وتولي المسؤولية. ولا أبالغ بالقول، إن المرحوم سمير الرفاعي، كان أول من فتح ثغرة بالجدار، وسمح بدخول قيادات شبابية من المعارضة الوطنية ومن الفعاليات الحزبية للحكم، وأذكر هنا، على سبيل المثال لا الحصر، سليمان النابلسي وهزاع المجالي وعاكف الفايز، وكانت أول مواقع وزارية تولوها في حكومات سمير الرفاعي رحمهم الله جميعاً..
- وحين عمّت البلاد اضطرابات هائلة إثر استشهاد المغفور له الملك عبدالله عام 1951م، أدارت حكومة سمير الرفاعي الأمور بحزم وعدالة وكفاءة، ونقلت الأردن إلى برّ الأمان، وأشرفت على ترتيبات انتقال العرش بسلاسة وأمان، في أخطر مراحل الإقليم.
- والرفاعي كان صاحب وجهة نظر سياسية يدافع عنها بضراوة ولا يبالي بالخسائر طالما أنه يرضي ضميره ولا يجامل على حساب قناعاته، ويصدق قيادته الهاشمية النصيحة والرأي دون مواربة أو حسابات جانبية. ومن هنا اتخذ موقفاً حاسماً برفض حلف بغداد، وتمسك برأيه. وعندما عاد إلى رئاسة الوزراء أعلن عدم انخراط الأردن في تلك المعاهدة. وفي عهد سمير الرفاعي تمّت تنحية كلوب باشا عن قيادة الجيش العربي، وتحقق طموح جلالة الحسين العظيم طيب الله ثراه بتعريب قيادة الجيش العربي المصطفوي.. وعندما وقعت كارثة العراق عام 1958م، وتمّ الاتفصال بين جناحيّ الاتحاد العربي، الأردن والعراق، إثر الانقلاب الدموي؛ كانت حكومة سمير الرفاعي تعمل وتجدّ لتجنيب الأردن تبعات هذا الانهيار الضخم في المنطقة، وانعكاساته على الأردن، الذي كان يرتبط مع العراق بعلاقة اتحاد. وبالمناسبة، يسجّل التاريخ للمرحوم سمير الرفاعي أنه هو مَنْ قام بصياغة دستور الاتحاد العربي، بين الأردن والعراق.
- حتى في حكومته الأخيرة سنة 1963 فقد تميّز بكامل الزهد السياسي، والرغبة بحماية التجربة الديموقراطية بكل ما فيها. مع الالتزام بالدستور نصاً وروحاً. وعندما كانت العلاقات مع مصر في أسوأ أحوالها، وعندما واجه الرفاعي معارضة نيابية لافتة؛ أصرّ على الانسحاب وتقديم استقالته، وقد كان خيار حلّ مجلس النواب مطروحاً بين يديه. ولكنه لم يكن من صنف الرجال الذين يتمسّكون بالموقع بأي ثمن وبأي وسيلة؛ إنما كان ينظر للوظيفة العامة على أنها أمانة ومسؤولية كبرى... وأمضى آخر سنتين من عمره في تأسيس الجامعة الأردنية.
- التفاصيل كثيرة ومتشعبة. ويقوم بجزء من مسؤوليتها باحثون ومؤرخون وأكاديميون وازنون ومعتبرون، وموضوعيون، ويجدون في وثائق التاريخ ومجلداته وأوراقه، كل دليل وتأكيد على إخلاص ذلك الرعيل من الرجالات الكبار الذين كان المرحوم سمير الرفاعي واحداً منهم.
- ما أردت التأكيد عليه، وقد استرسلتُ في الإجابة على سؤالك، أنه علينا الآن، أن نعيد النظر في بعض المعايير عند التقييم، وأن نبتعد عن الأحكام الجاهزة والانطباعات. وعندما نتصدر للحكم على رجالات الأردن، في حقبات تاريخية سالفة، لا بد من أن نكون منصفين وموضوعيين؛ فهؤلاء الرجال الكبار أمثال إبراهيم هاشم وتوفيق أبو الهدى وسمير الرفاعي وسعيد المفتي من رجالات ، جيل الرواد البناه المؤسسين الأوائل. تدربوا وعملوا واجتهدوا وأسهموا ببناء الأساس القوي للدولة الأردنية، وخلف قيادتهم الهاشمية المستنيرة. وهؤلاء هم من سلموا الراية لجيل جديد من الأردنيين المتعلمين الذين نقلوا الأردن إلى مرحلة أخرى لا تقل أهميّة، منذ خمسينيات القرن الماضي. وهؤلاء جميعا كانوا للعرش والوطن. ولم يكونوا أبدا لغير البلد وأهله..
- وما زلت أذكر سنوات طفولتي، حين كنت في المنزل مساء يوم 15/12/1971 وكان الألم الأردني كبيراً إثر استشهاد المرحوم وصفي التل في 28/11/1971م، عندما بثّت إذاعة لندن خبراً عن إغتيال السفير الأردني في لندن زيد الرفاعي. وهي لحظة ما زلت أذكر تفاصيلها ومشاعرها وتفاعلاتها في داخلي، وتلك الأسئلة الأولى المعقدة والصعبة. وما زال والدي حتى اليوم يعاني من آثار الجراح الناجمة عن تلك المحاولة الآثمة.
- وفي حكومته الأولى عام 1973 ، وبتوجيه من المغفور له بإذن الله الملك الحسين، تمت إعادة العلاقات الأخوية مع مصر وسوريا والعراق، وبدأ عهد الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي، والتركيز على البنية التحتيه من مدارس وجامعات وطرق وسدود ومستشفيات وكهرباء وماء ومشاريع كبرى. وفي حكومته الأخيرة، اتخذ في عهدها قرار فك الارتباط عام 1988 ، وكان لها دور كبير في تأسيس مجلس التعاون العربي. وعندما غادر الحكومة عام 1989 نتيجة ظروف لا مجال لذكرها الآن؛ ظل زيد الرفاعي وفياً للعرش (والذي حماه بجسده عام 1970 عندما قام رصاص الغدر بالاعتداء على موكب جلالة المرحوم الحسين طيب الله ثراه). لم يرحل زيد الرفاعي عن عمان، ولم يتذمّر ولم يهاجم البلد ولم يشتكِ كما فعل غيره، ولم يزاود. بل بقي في وطنه ومع أهله، وواصل أداء واجبه، لم يتقاعد عن حب الأردن والإخلاص لقيادته الشريفة وشعبه الوفي الأصيل. ولم يفقد زيد الرفاعي يوماً من الأيام إيمانه بالأردن، الصلب العصيّ على الاستهدافات والمخاطر. وبقي وما زال جنديّاً مخلصاً للقيم والمُثُل التي عاش لأجلها.
وقرر اعتزال العمل السياسي والخدمة العامة بعد ترؤسه لمجلس الأعيان لاثنتي عشر عاما، عندما شرفني جلالة سيدنا حفظه الله ورعاه بتشكيل الحكومة.
- أن تكون من أسرة اشتغلت بالسياسة، وعملت بالعمل العام، وخدمت الوطن؛ فهذا لا يعني الإدانة وفي نفس الوقت لا يعني التميّز. لقد كنا في مراحل يسجّل التاريخ تفاصيل تفاصيلها؛ كنا على قائمة الاستهداف الجسدي، مشاريع شهداء. ولم نكن وحدنا. وكل مسؤول أردني مخلص ووفيّ ومؤمن بوطنه وقيادته وباستقلال إرادة الأردن وقوّة دولته، كان يعي أنه يحمل روحه في كفه.. فضلاً، عن حملات التشويه والتضليل واغتيال الشخصية.. وهذه من كُلف العمل العام وقد رضي بها كل من تحمّل المسؤولية بجد وإخلاص.
- لقد نذرت نفسي أن أكون خادماً للعرش وللأردنيين، في أيّ موقع أكون فيه. مثلي في ذلك مثل كل أردني، يشعر أنه ابن هذا الحمي وخادم له وجنديٌّ في الدفاع عن استقراره واستقلال إرادته. ووصولي لمرتبة رئيس للوزراء لم يكن طريقاً سهلاً، ولا يسيراً. ولست ممّن يتبنون قاعدة "سكّن تسلم". وأكثر من ذلك، فقد شعرتُ بألم كبيرٍ، أثناء مسيرتي الوظيفيّة، ضمن جهاز الإدارة الأردنيّة، وأنا أتعامل مع بعض الذين ظنّوا بأن استهداف والدي بعد الثمانينات يتم من خلالي. وبالرغم من ذلك، فقد تدرجت في الوظيفه العامة وتشرفت بأن أخدم تحت إمرة جلالة المرحوم الملك الحسين طيب الله ثراه وسمو الأمير الحسن حفظه الله وجلالة الملك عبدالله حفظه الله ورعاه وبارك في عمره وأعز ملكه.