إصلاح التعليم لا يتم بالقطعة
هناك شبه إجماع على الحاجة الملحة لإصلاح التعليم في الأردن. وهذا الإجماع ليس جديداً، ومحاولات إصلاح التعليم نفسها ملف مفتوح، ترتفع وتنخفض وتيرته أحياناً حسب اهتمام الوزير المعني، سواء أكان ذلك في التعليم العالي أم التعليم العام، وحسب الظروف والتطورات في سلك التعليم نفسه.
المثير للاهتمام في ملف الإصلاح هذا، هو اعتماده أو ارتباطه بمدى اهتمام الوزير ورؤيته. وعليه، نرى تغيراً في مدى الاهتمام بملفات محددة في التعليم العالي أو المدرسي، وفي كيفية معالجة هذه الملفات أو المواضيع أيضاً.منذ أكثر من عشرين عاماً ونحن على هذه الحال؛ نقوم بتشخيص المشكلات والتحديات، ونضع الحلول والاستراتيجيات، ونقوم بين الفينة والأخرى بمعالجة جانب معين من هذه المشكلات، لأنها تصبح ضاغطة على الحكومة أو مسؤولي التعليم العالي والمدرسي. ويتم تقديم حلول تصيب أحياناً وتخطئ في أحيان أخرى. ثم تهدأ الأمور وتعود المياه لمجاريها؛ إنه إصلاح بالقطعة.
لو تصفحنا الأدبيات التي تشخص مشكلات التعليم العالي والعام، والحلول المقترحة لمعالجتها قبل خمس عشرة سنة أو عشر سنوات، وقمنا الآن بتشخيصها من جديد، لما وجدنا اختلافاً جوهرياً في التحليل والحلول بين الفترتين. وبحسبة بسيطة، فإننا سنجد بحصاد السنين تراجعاً أو تفاقماً للمشكلات، أكثر من الإصلاح أو التغيير.
لا أريد أن أذكر مشكلات التعليم العالي، لأني متأكد أن القراء يعرفونها جيداً. لكن السؤال المهم هو: لماذا التعثر في حل مشكلات التعليم ما دمنا نعرفها، وهناك اجتهادات في حلها؟ برأيي أن هناك مجموعة من العوامل المتداخلة تحول دون حل هذه المشكلات، من أهمها:
أولاً: الافتقار للرؤية المتكاملة لعملية التعليم بمراحلها المختلفة؛ من التعليم المدرسي إلى الجامعي. وفي الوضع الحالي، يتضح أن الجهود مبعثرة، ولا توجد رؤية تجمع بين إصلاح التعليم المدرسي والجامعي معاً. فهناك استراتيجيات للتعليم الجامعي وأخرى للمدرسي، ولا تجسير بينهما لا بالرؤية ولا بالممارسة.
ثانياً: لم نحدد أو نتفق بعد على الدور الذي يجب أن يقوم به التعليم في عملية التغير الاجتماعي، ولم يتم ربطه بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة. ويبدو أن هناك اهتماماً للاستجابة لحاجات ومصالح الناس والمجتمع، وإرضائهم، أكثر من الاهتمام بالصورة الكلية للتعليم، ودوره في نهضة المجتمع.
ثالثاً: تعدد وضعف الأطراف التي من المفترض أن تقود عملية الإصلاح، ممثلاً بملف إصلاح التعليم العالي الذي هو بعهدة وزارة التعليم العالي، ولكنها لا تستطيع أن تقوم بكل ما هو مطلوب في الجامعات. وكذلك الحال بالنسبة لوزارة التربية والتعليم؛ فهي غير قادرة بوضعها الحالي على إحداث التغيير المطلوب، بالرغم من جهودها في هذا المجال، لأنها جسم بيروقراطي متضخم، فضلاً عن وجود مقاومة للإصلاح والتغيير داخل جسم الوزارة.
رابعاً: تحتاج عملية إصلاح التعليم إلى تمويل، سواء كان ذلك للجامعات الرسمية أم للتعليم المدرسي. ويبدو أن المال غير متوفر، أو أن الحكومات تعتقد أن ما يتم إنفاقه على التعليم كافٍ. ومن دون توافر الدعم المالي، فإن كثيراً من جوانب الإصلاح ستبقى غير قابلة للتحقق.
إصلاح التعليم هو المدخل الأهم للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. والإصلاح بالقطعة لا يجدي، لأنه قد ينطوي على سلبيات أكثر من إيجابيات. والدولة بحاجة إلى وقفة جادة، تقوم على مراجعة واقع التعليم المدرسي والجامعي، بما في ذلك عملية خصخصة التعليم، وتقديم رؤية متكاملة لمراحل العملية التعليمية كافة، وتقديم إطار لتنفيذ السياسات الإصلاحية، ووضع جدول زمني لتنفيذها. من دون ذلك، ستبقى عملية إصلاح التعليم مجزوءة ناقصة، ولن يستطيع التعليم القيام بالدور الذي يجب أن يقوم به.