المديونية: لا أحد بريء


يسعى البعض إلى التقليل من خطورة المديونية العامة، عبر محاولات تقليص عبء حجمها، بحيث يبدو متواضعا.
ومبرر هذه المحاولات قد يكون التخفيف من مسؤولية الحكومة الحالية عن الارتفاع الكبير في المديونية، بتقديم تفسيرات أدت إلى قفزاتها الكبيرة، تتمثل في تغطية الكلف المرتفعة للإنفاق الجاري في الموازنة، وتسديد فاتورة دعم السلع والخدمات.
لا أحد ينكر أن جزءا كبيرا من الدين جاء نتيجة فاتورة دعم الكهرباء بدرجة رئيسة، إضافة إلى دعم المياه والخبز وغيرهما بدرجات أقل. لكن تظل النتيجة أن الدين العام؛ الداخلي والخارجي، مؤشر خطير، بالنظر إلى ارتفاعه مقارنة بإمكانات البلد وحجم موارده.
خلال العام الحالي، يتوقع ارتفاع الدين بحوالي ملياري دينار. فإصدار سندات "اليوروبوند"، بالكفالة الأميركية، بقيمة 1.5 مليار دولار، سيؤدي إلى زيادة الدين العام اليوم الخميس ، من 21.1 مليار دينار إلى 22.1 مليار دينار.
ثمة مبررات أخرى للاقتراض خلال العام الحالي، تتعلق باستحقاق سداد سندات خارجية في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، كان أصدرها وزير المالية الأسبق د. محمد أبو حمور، في العام 2010 إبان حكومة سمير الرفاعي، بقيمة 750 مليون دولار، وبسعر فائدة سنوي ثابت يبلغ 3.875 %، تُدفع بشكل نصف سنوي طيلة عمر السندات.
ومن ثم، فصحيح أن ظاهرة تضخم المديونية تجلت مع الحكومة الحالية، لكنها بالتأكيد لا تتحمل وحدها المسؤولية كاملة عن هذا الخطر المحدق، كما تُظهر السندات الواجب تسديدها اليوم، والمقترضة في عهد حكومة الرفاعي.
كما أن القرار الأخطر الذي تسبب بفوضى الاقتراض واستسهال المسألة، اتخذ أيضاً إبان حكومة الرفاعي، إذ أوقفت العمل بالمادتين 22 و23 من قانون الدين العام وإدارته. إذ تنص المادة 23 تحديداً، على أنه "... لا يجوز أن يزيد الرصيد القائم للدين العام في أي وقت من الأوقات على (60 %) من الناتج المحلي الإجمالي...".
قبل ذلك، كان الأردن قد تخرج في العام 2004 من برنامج التصحيح الاقتصادي بمستوى دين ليس بهذه الخطورة. بيد أن توسع الحكومات جميعا في الإنفاق، من دون حساب لحجم الموارد، دفع باتجاه زيادة الدين تدريجيا، حتى جاءت الأزمة المالية العالمية وزادت الطين بلة. ثم استمرت الظروف الصعبة وتعقدت أكثر مع "الربيع العربي"، وما صاحب ذلك من انقطاع للغاز المصري. مع التذكير بأن صفقة شراء من نادي باريس، في العام 2006، قلصت الدين الخارجي، لكنه ما لبث أن عاود الصعود.
وظلت تبعات انقطاع الغاز المصري باقية حتى اليوم، رغم تراجعها كثيرا. إذ كان من حظ الأردن، الرسمي والشعبي، تراجع أسعار النفط بشكل ملحوظ، بما خفف من عبء دعم الكهرباء، من دون أن يعني ذلك أبدا أن علاج المديونية مسألة سهلة.
وبافتراض بقاء سعر النفط منخفضا، وهو أمر غير مضمون، يبقى الأردن يعاني من عجز في الموازنة نتيجة جنون التوسع في الإنفاق، وتحديدا الجاري منه. فاليوم، يبلغ حجم إنفاق الخزينة على الموازنة العامة والمؤسسات المستقلة حوالي 10 مليارات دينار. ما يجعل وقف الاقتراض والاعتماد على الموارد المحلية، مسألة مستحيلة، خصوصا أن سياسات ضبط الإنفاق وتوجيهه بالشكل السليم، ما تزال حبرا على ورق، وكل الحديث عن مواجهة مشاكل تقلص الحاجة للاقتراض، هو حديث نظري، خصوصا ما يرتبط بمعالجة الهدر الكبير في الإنفاق التشغيلي، وبعض بنود الإنفاق الجاري، إضافة إلى الفشل الملموس في محاصرة التهرب الضريبي.
بالمحصلة، لا يقدر أي رئيس حكومة تولى الموقع ما بعد برنامج التصحيح، انتقاد ارتفاع المديونية؛ فالجميع شركاء في صناعة المشكلة، والكل ساهم بطريقته في زيادة حجم المديونية. والسبب هو غياب الرؤية والتخطيط الحقيقي لحاضر البلد ومستقبله.