لغز شيماء وجمانة

كعادتنا في الأردن ينشر الخبر بسرعة البرق ثم يأتي النفي فنجد بعد ذلك أن النفي غير صحيح وأن الخبر كان في الأصل صحيحا، ثم يأتي التبرير فيكون أسوأ من الخبر نفسه فيتناقله الناس بسرعة البرق أيضا وتبدأ التحليلات من هنا وهناك، ونزداد حيرة من جديد ونبحث عن الحقيقة.
قد تكون الحقيقة في التبرير أو قد تكون بين السطور أو قد تكون عند أحد المحللين بالصدفة، أما المعلومة نفسها فتضيع بين كثرة المنظرين.
للأسف هذا ما حدث عندما تحدث الناس عن ذهب عجلون.. وها هو يتكرر في حادثة شيماء وجمانة، ولا أدري لماذا لم يتابع الناس قضية الفتاة المختفية في الأغوار بعد أن أدت امتحان الثانوية العامة وظهرت بعد ذلك وخرج بيان الأمن العام وبرر الاختفاء بناء على ما لدى الأمن من معطيات وأدلة وظهرت الفتاة بالطبع وانتهى الأمر، بعكس موضوع شيماء وجمانة.
أول ما يتبادر الى الذهن هو من الذي قال أن الفتاتين مخطوفتين أصلا حين تم الإعلان عن اختفائهما فالكل تداولوا خبر خطف الفتاتين ثم قالوا بعد ذلك باختفائهما، وأخذنا بالفزعة كعادتنا وتضرعنا الى الله تعالى أن يتم العثور عليهما وجميع الناس تعاطفوا معهن من القلب وشعرنا أنهن بناتنا وأنه لا بد من العثور عليهن ورافق ذلك ثقة كبيرة بقدرة الأمن العام على العثور عليهما لأننا نشهد بعبقرية جهازنا الأمني.
وتم العثور على الفتاتين بعد تحقيقات أمنية واسعة ومكثفة وخلال أيام وفرحنا بهذا الأمر لكننا صدمنا ببيان الأمن العام الذي كان مقتضبا وفهمه الناس بطريقة مثيرة للجدل فماذا تفعل فتاتان في شقة بإربد مع شخص؟ وللأسف لم يأت الناس بالكلام من رؤوسهم إنما هذا ما فهم عن البيان ما اضطر الأمن العام الى إصدار بيان آخر يوضح اللبس في الأمر ويقول « ان ما تم تداوله من قبل البعض على إنه إساءة من المركز الإعلامي هو غير دقيق ويعتذر عنه إن أسيء فهمه». مضيفا:«بأنهما خرجتا من المنزل ولم تتعرضا لأي حادثة اعتداء أو اختطاف طيله فترة تغيبهن». كما أوضح البيان ان البنتين هما من طلبتا من الشخص الذي كن في بيته أن يصورهما كأنهما مخطوفتين كتبرير لأسرتيهما عن سبب تأخرهما بالعودة الى البيت، رغم أن هذا الكلام يتناقض تماما مع رواية أسرة الفتاتين، فالأسرة تؤكد أن الفتاتان خطفتا، وانهم في الأسرة تلقوا تهديدات بهذا الخصوص (حسب تقرير الزميلة هديل الدسوقي المنشور اليوم في «السبيل»).
أقول أنه بالرغم من اللبس في بيانات الأمن إلا أن الأمر يحتاج الى قراءة متأنية وعدم الاستعجال في التحليل لكن أظن أنه كان من باب أولى، لو أن الأمن العام اكتفى ببيان واحد مفاده العثور على الفتاتين وأنهما بخير ولم يمسسهما أذى فقط ويترك أمر التفاصيل بعد أيام حين يستوفي التحقيق حقه.
من ناحية ثانية ندرك ان أعمار الفتاتين صغيرة وتفكيرهما ليس بالعمق والدهاء المتوقعين لذلك من البديهي أنه قد يصدر عنهما أي تصرف غير مدروس عن حسن نية، لكن يبقى السؤال حول الشخص صاحب الشقة، من هو ولماذا ساعدهما-كما جاء في بيان الأمن-؟ فماذا عن أقواله؟ وهنا كبد الحقيقة.
القضية الأخطر هو تداول الناس على مواقع التواصل الاجتماعي موضوع الشقة والشخص بطريقة للأسف فيها شك وريبة، وكان من باب أولى أيضا عليهم عدم الإسراع في الحكم المسبق لما قلته قبل ذلك بأن الفتاتين بعمر صغير ينفي عنهما التخطيط المسبق والمتقن.
وهنا أود اقتباس ما كتبه الزميل الصحفي عبدالله بني عيسى على صفحته على الفيسبوك ففيه من المنطق ما أود ايصاله هنا أيضا فيقول:«بصراحة جهاز الأمن العام تحمل قدرا هائلا من الضغط منذ الاعلان عن اختفاء شيماء وجمانة. وبدأنا نسمع ونقرأ عبارات من قبيل: البلد مليانه جرائم، والبلد صارت شوربة، وخطف البنات في الشوارع صار عيني عينك.. وغيرها من الأحكام والآراء النمطية غير العلمية. وهذا ما يفسر استعجال بيان الأمن العام للايحاء بأن لا جريمة جنائية وراء الاختفاء وبأنهن وجدن برفقة رجل».
ويتابع: «المشكلة من وجهة نظري ليس في بيان الأمن العام، بل في تخلف النظرة المجتمعية تجاه النساء عموما والفتيات المراهقات على وجه الخصوص». انتهى الاقتباس.
أعتقد اننا كمواطنين لا بد أن نعرف الحقيقة لأن الموضوع شغل الرأي العام لعدة أيام لكن ليس بالضرورة أن نعرف أدق التفاصيل وأرى أن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو هل الفتاتين مخطوفتين أم لا؟ لأن الخطف يعني دخولنا في أمر أمني يستوجب الحذر، وإذا لم يكن خطفا فعلى الأقل ما هي مبررات ما حدث دون الدخول في تفاصيل كبيرة.
وأود أن لا ننسى أن نحمد الله على العثور على الفتاتين وأن نهنئ ذويهما وكان الله في عونهم لأقاويل الناس، لكنها أيام والناس تنسى، وسلامة بناتهم هي الأهم.