لغة الأحذية.. أين البطولة؟!

بَيْن الفينة والأخرى، تقع حوادث قذف الأحذية على الزعماء والمسؤولين، وتتناقل وسائل الاعلام، خاصة الجديدة، هذه الأخبار والصور باهتمام شديد، وذلك منذ اخترع الصحافي العراقي منتظر الزيدي، في سبتمبر 2008 هذا السلوك الاحتجاجي في وجه الرئيس الاميركي الأسبق جورج بوش الابن.

آخر هذه الحوادث رمي الصحافية اليمنية ذكرى العراسي حذاءها على رئيس وفد الحوثيين في جنيف، حيث حقق الفيديو الذي نشره ناشطون على موقع يوتيوب أعلى المشاهدات في اليمن، بتجاوزه مليوني مشاهدة خلال أيام.

حذاء الصحافية اليمنية "العراسي" يعيد للأذهان حوادث التعرض للساسة بالأحذية والطماطم، لتضم حادثة حذاء اليمنية في جنيف مليشيات الحوثي إلى مسلسل الساسة الذين تعرضوا للرشق بالأحذية.

تكررت الظاهرة مع هيلاري كلينتون، التي تعرضت للرشق بالحذاء على يد سيدة أميركية كانت بين الحضور بمؤتمر في لاس فيغاس في ولاية نيفادا الأميركية، حول إعادة تصنيع النفايات.

كما رشق رجلٌ الرئيس الاسبق لباكستان برويز مشرف، بالحذاء خارج قاعة المحكمة في مدينة كراتشي.

وفي إيران تعرض الرئيس حسن روحاني في سبتمبر 2013 للرشق بالحذاء، أثناء عودته من نيويورك، من جانب مجموعة من معارضي التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية، وكان الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد تلقى في مصر رمية حذاء شاب سوري أثناء خروجه من مسجد الحسين في القاهرة وردد الشاب عبارات تهاجم إيران لموقفها الداعم لرئيس النظام السوري بشار الأسد.

لا ادري ما هي البطولة والشجاعة التي يقوم بها كل من يفكر بهذا السلوك، وهل يتوّهم انه يفعل شيئًا لا يستطيع اقرانه مجاراته فيه؟.

الاحتجاج فِعْل وفكرة حضارية بامتياز، وهو مطلوب عندما يشعر المرء ان ظلمًا وقع عليه، وفيه من الوسائل الحديثة والقديمة ما لا يُحصى ويُعد، لكن لا يوجد في الثقافات جميعها، ان الحذاء احدى وسائل الاحتجاج.

كان بامكان الصحافي، منتظر الزيدي على وجه التحديد، الذي اخترع هذا الاسلوب في العصر الحديث، ان يستغل الفرصة التي جمعته مع الرئيس الذي يحتل بلاده، وتمارس قواته ابشع انواع الاحتلال، ان يوجه سؤالا قاسيًا يضع الرئيس الاميركي في موقف حرج من خلال كشف ممارسات قواته في العراق، ويستفيد من النقل المتلفز للعالم، لكنه خسر كل هذا، كما خسرت مؤسسته الاعلامية التي لولاها لما تمكن من دخول مقر الرئيس الاميركي، فرصة طرح سؤال باسمه واسمها، وهي على كل حال لم ترسله لقذف الحذاء بل للقيام بدوره كصحافي ومندوب لها.

وهذا ايضا ما خسرته الصحافية اليمنية التي وصلت الى قاعة المؤتمر في جنيف بوساطة المؤسسة التي تحمل اسمها، وخسرت كما خسر الشعب اليمني فرصة كشف حقائق ما يجري في اليمن، لا ان يأخذ قذف حذائها البث التلفزيوني، وبعد ذلك تعلن انها لن تبيع ذلك الحذاء مهما عرض عليها من اموال.!

اذا كان سلوك قذف الحذاء مَعيبا، وهو كذلك، فالمَعيب اكثر ما يحدث بعد ذلك، اذ تتناقل وسائل الاعلام "الحدث البطولي، وتبحث للحصول على صور خاصة بها، لكن ما يقع بحجم الفاجعة عندما يتبارى سياسيون مراهقون، ونشطاء في العمل العام في زمن الغفلة، واصحاب اموال جاءت بافعال قبيحة، لعرض شراء الحذاء نوعًا من التذكار لهذا الفعل المَعيب بكل أوجهه، حيث دُفعت ملايين الدولارات الوهمية لشراء حذاء الزيدي، وتبين في آخر الامر ان كل ما أعلن عنه كان فقاعات هواء، واتمنى ان لا ينتقل هذا السلوك لحذاء الصحافية اليمنية.