نبرة أردنية جديدة..

سامح المحاريق

 

تمكنت القوات الكردية من السيطرة على قاعدة اللواء 93 الجوية في محافظة الرقة المعقل الرئيسي لداعش، من ناحية المبدأ، يجب ألا يتم الإفراط في التفاؤل فسلوك الاشتباك مع داعش خلال الفترة الماضية كان حافلا بخسارة المواقع ثم استعادتها من قبل التنظيم، ومع ذلك، توجد مؤشرات على معادلة جديدة في سوريا، ربما يكون الأكراد مكونا مهما له بصمته ووزنه.
تتزامن تراجعات داعش مع ترنح واضح في دمشق، وبالطبع توجد نظريات كثيرة عن التنسيق بين النظام السوري وداعش، ولكن التفسير الذي يجب أن نرتضيه حاليا دون توفر المعلومات أن مصالح القوى المذهبية الطائفية تتفاعل بصورة ايجابية في الجانبين، وذلك يفسر أيضا تقاعس القوات العراقية والحشد الشعبي عن دخول المناطق السنية، والتركيز على الحفاظ على منطقة عازلة بين دولة سنية وشيعية يسعى الطرفان للاحتفاظ بها، وكل مناوشاتهم واشتباكاتهم ليست لغاية الحسم، وإنما لحماية الواقع القائم.
ما هي الاحتمالات التي يمكن أن تسفر عنها الأشهر القادمة؟
لا أحد يمكن أن يتوقع المسارات بصورة تفصيلية، ولا طبيعة التوازنات التي ستحدث وأي نوع من الصفقات يمكن أن يمرر، ولكن الوضع الحالي في سوريا يبدو وكأنه مجرد مقدمة موسيقية لسيمفونية مرعبة لم تبدأ بعد. تحمل الأردن إلى اليوم ضغوطا هائلة على جميع الجبهات، وما زالت الرؤية إلى اليوم غائمة، فالجميع يعرف أن المزاد شارف على نهايته، وحرب الأعصاب ستصل ذروتها في اللحظات الأخيرة.
عمليا، لا توجد تحديات وتهديدات دون فرص مصاحبة، ولنعترف بأن الأردن كان يستطيع أن يجني بعضا من الثمار في أزمات حدثت في العراق وحتى لبنان، بالطبع مع دفعه لحصته الكاملة والباهظة من التكاليف السياسية والأمنية، ولكن الوضع مختلف في سوريا، فالتنافس لا يقتصر على القوى التقليدية في الحالة العراقية التي توزعت بين الولايات المتحدة وإيران، ولكنه يمتد ليشمل الأكراد والأتراك والروس وحتى اسرائيل، ولذلك فالجميع سيضع المواقف الأردنية في اعتباره، وسيحاول التواصل مع الأردن.
حاولت الأردن أن تتخذ مواقف متوازنة في جميع الصراعات السابقة في محيطها العربي، وذلك كان خيارا واضحا نتيجة الدور الاستراتيجي الذي تؤديه الأردن وتلتزم به، فالأردن يمكن أن تصل إلى صداقة متقدمة مع أي دول عربية ولكنها لا تذهب أبدا إلى تحالف مطلق ونهائي، كما أنها يمكن أن تختلف مع أي دول عربية، دون أن ينزلق بها الأمر إلى خصومة مبرمة ومستحكمة، ولكن يبدو أن الوضع في سوريا يجب أن يتطلب من الأردن رؤية سياسية مختلفة، ويجب أن يحاول تحديد مطالبه ويوضح الحدود الخاصة بالتكلفة والعوائد المقبولة من حفلة الذئاب المقبلة في سوريا.
البعض قد يرون أن الأردن يجب عليه أن ينتظر ويترقب ولكن هذه الوضعية يمكن أن تجعله أصلا معرضا للدخول في الصفقة السورية ليس كطرف سياسي له مصالحه، ولكن كجزء مما هو مطروح على المائدة للتقاسم، لا يعني ذلك بالطبع أن يفكر أحد في الأردن كمنطقة نفوذ مباشر فهذه مسألة مستبعدة لأسباب تتعلق بالقدرات الأردنية والتماسك المجتمعي القائم، ولكن أن تكون الأردن عاملا مساعدا لتعزيز نفوذه في سوريا فهذه مسألة سيفكر فيها الجميع في حالة الأردن التقليدي بسياسته الهادئة والمتحفظة، فالسيمفونية القادمة ستحتاج أصواتا أعلى وأكثر حدة.