انهيار النموذج الأمريكي

امريكا كنموذج لم يعد يملك تلك الجاذبية القوية التي عرفها في الثمانينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لم تعد امريكا ارض الاحلام حتى بالنسبة للجاليات العربية والمسلمة التي تواجه مخاطر متزايدة من تصاعد الحملات والهجمات العنصرية، حملة لا تقتصر على العرب بل تمتد لكل ما هو مختلف عن العرق الاوروبي الابيض.
انهيار النموذج الامريكي لم يتولد فقط عن صعود التيارات اليمينية في الداخل الامريكي، بل يرتبط بقوة بالصورة النمطية التي التصقت بالولايات المتحدة في اعقاب غزو العراق وافغانستان، في اعقاب الفضائح المتعلقة بالتعذيب في ابوغريب وغونتنامو، في اعقاب الانتهاكات المتعلقة بالتجسس على نطاق واسع امتد الى اختراق هواتف رؤساء دول ووزراء كما حدث مع المستشاره الالمانية ميركل.
الملاحظ في العقدين الاول والثاني من القرن الواحد والعشرين أن هناك كمّا كبيرا من المؤلفات والكتب التي ناقشت هذه الظاهرة، ظاهرة آكل وتراجع النموذج الامريكي سواء على المستوى السياسي او الثقافي حتى الاقتصادي، ومن هذه الكتب كتاب «الثقة» لفوكياما الذي تحدث فيه عن تراجع القيم الانتاجية لامريكا وعن مخاطر ذلك على مكانتها الاقتصادية، ومن بعده ايضا كتاب «رؤية استرايجية امريكية» لـ»برجينسكي» مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر، تحدث فيه صراحة عن تراجع النموذج الامريكي كأحد مؤشرات تراجع القوة، وبالتالي تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة على الصعيد العالمي، وينضم الى هذه القافلة آل غور نائب الرئيس الامريكي الاسبق كلينتون في كتابه محركات المستقبل، وهو يتحدث عن تراجع دور امريكا كنموذج في القيادة لمواجهة التحديات كالاحتباس الحراري وعن ازمة الرأسمالية والديمقراطية الامريكية، التي نجدها منعكسة في كل زاوية من كتابه الغني بالمعلومات والحقائق المذهلة عن حجم التطور الانساني والتكنولوجي وعن الآفاق المستقبلية لهذا التطور، واخيرا كتاب هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي في حقبة السبعينيات «النظام العالمي» يتحدث عن تجربته الطويلة ولا يختلف مع برجنسكي كثيرا في تشخيص التراجع الامريكي.
في كتاب «آل غور» كما هو الحال في كتاب «فوكياما»، التركيز على القيم المتدهورة، لينتهي كلاهما بموعظة تدعو الى استعادة امريكا لقيمها الديمقراطية ونموذجها الذي اتاح لها قيادة العالم، وانجذاب المجتمعات اليه بل القوى السياسية، ما يميز كتاب فوكياما هو التركيز على القوى الانتاجية والقيم المرتبطة بها امام المنافسة القوية لنماذج كالصين، الا انه يرثي تراجع مكانته الرأسمالية الامريكية، أما آل غور فهو يشتكي من تراجع النموذج الديمقراطي وتعرضه للقرصنة من قبل الشركات الكبرى، وهو امر دفعه للدعوة الى اصلاح الديمقراطية الامريكية والرأسمالية على أمل استعادة النموذج الامريكي وقيادة العالم للتخلص من الاحتباس الحراري، ولعل الاحتباس الحراري ملاذ آل غور لطرح نموذج جديد بديل للنموذج المتآكل والمنهار.
على الطرف الآخر فإن برجنسكي وكيسنجر، يركزان على موازين القوة مع ادراك كامل بتراجع النموذج الامريكي ويذهب كلاهما الى ضرورة ايجاد نظام عالمي متعدد الاقطاب، كمخرج لامريكا يوقف الانهيار وحالة الاستنزاف، بل هناك دعوة للعب دور في تحقيق التوازن بين القوى الاقليمية ومساعدتها على ذلك بشكل يخفف الاعباء على الولايات المتحدة.
المحصلة النهائية سواء كان الكتاب والمؤلفون ساسة وفلاسفة او مفكرين او علماء مستقبل، يجمعون على ان الولايات المتحدة في تراجع وان النموذج الامريكي لم يعد يجذب أحدا، وهو امر تؤكده وتعززه الاحداث الداخلية في امريكا من تنامٍ للعنصرية وتراجع فاعلية الديمقراطية، لدرجة ان العائلات السياسية كعائلة بوش «جيب بوش» وعائلة كلينتون «هيلاري» يتنافسون للانتخابات الرئاسية، وهي صورة http://cdncache-a.akamaihd.net/items/it/img/arrow-10x10.png  تعطي مؤشرا على مقدار الفقر السياسي الذي بلغته الولايات المتحدة الامريكية، في كل الاحوال فإن دولا كثيرة في العالم ومنها أمريكا بدأت تعد نفسها لحقبة جديدة، في حين أن العرب لا يزالون يعتقدون ان امريكا لن تتخلى عن المنطقة لأن «اسرائيل» لم تختفِ بعد.