الخطابة فن والالقاء مهارة


روى البخاري ومسلم , في صحيحيهما , ان رسول الله صلى الله علية وسلم , وهو اعظم خطيب عرفته البشرية , انه قال ( ان من البيان لسحرا ) , وهو بذلك يبين لنا ان الخطابة يجب ان تكون ذات تأثير على المستمعين وليست محض كلمات فارغات صفّت فقط من اجل الالقاء دون ان يكون لها اثر واضح في سلوك من يستمع لها , فخطب دموسين انارت الطريق لشعب كاد ان يفقد طعم الحياة ووقفت كلماته في وجه الاسكندر , اعظم قائد عرفته القرون الوسطى , وخطبة طارق بن زياد فتحت الاندلس , ومن اشهر خطباء العرب , قس بن ساعدة الذي يقال انه اول من اتكأ على عصاة وقال امّا بعد , وسحبان بن وائل وزياد بن ابية, وغيرهم الكثير من الخطباء المشهود لهم بالتأثير .
وقد كانت خطب الجمعة في فجر الاسلام لا يلقيها الا الخليفة او الامام القادر على الالقاء والتأثير , ولا يرتقي المنبر الّا من كان يستطيع الخطابة من غير ورقة , وهذه الايام ومع كثرة المساجد , والحمد لله فقد كثر الخطباء الذين يفتقد بعضهم للخصائص التي يجب ان تكون موجودة عند الخطيب الجيّد ومنها , الموهبة , أي الاستعداد الفطري الذي يكون موجودا عند الانسان ويعطيه القدرة على الخطابة , والشجاعة ورباطة الجأش التي لا بدّ منها لمواجهة الجمهور ,وسرعة البديهة اذا واجهة امرا" ما خلال الخطبة .
ومن اهم خصال الخطيب ان لا يخالف فعلة قولة , أي ان لا يفعل في حياته ما يخالف ما يقوله في خطبته لأنه يعتبر قدوة للمستمع , وقد حذّر منهم رسول الله صلى الله علية وسلم , وان يكون حسن الالقاء ماهرا فيه , وغير مشتت للخطبة أي ان يربط الموضوع ببعضه وان لا يدخل امور لا تمت له بصلة , والامر المهم ان يكون واسع الثقافة وعلى اطلاع واسع على العلوم المختلفة , أي ان يكون دائم المطالعة .
وان من انواع الخطب , الارتجال العفوي أي ان يواجه الانسان موقفا يتطلب القاء خطبة , الّا ان من لا يملك حصيلة ثقافية جيدة فلن تكون خطبته المرتجلة حسنة , ومنها الالقاء بالحفظ , أي ان يحفظ الخطيب خطبته مسبقا , ولكن من يتعوّد على الالقاء بالحفظ , فستضعف عنده ملكة الخطابة , ومن انواعها ايضا تسجيل العناصر الرئيسية في موضوع الخطبة , واتي تكون معينا له فيها , والالقاء المقروء , الذي شاع هذه الايام عند الخطباء , أي ان تكون الخطبة مكتوبة , وهو من اسوا انواع الخطابة , لأنه يفقد التواصل ما بين الخطيب والجمهور , وقد كثرت هذه الايام الخطب المكتوبة والمعدة مسبقا والتي يستعين بإلقائها خطباء الجمعة , وهذا يدل على الكسل وعدم القدرة على الابتكار والتجديد في مواضيع الخطبة .
ان الخطيب الناجح هو الذي تكون خطبته فن وإلقاءه لها مؤثرا , وقد كان الخطباء هم من يتقدمون الصفوف , ويحفزون الناس ويستنهضون الهمم , وهم امهر الناس في تغيير الافكار لدى الجمهور .