"آيزو" الدولة الإسلامية (3)

اخبار البلد-

 
كنت قد بينت في مقالين -متباعدين- علامات الدولة الإسلامية، أو ما سميته، في حينه، "آيزو الدولة الإسلامية"؛ أي العلامات أو المعايير التي لا تكون الدولة الإسلامية إلا بها في نظر الإسلامويين، حتى وإن كانت أعدل دولة في العالم ولكن غير إسلامية، أو كانت أظلم دولة في العالم، ولكن إسلامية. وفي هذا المقال، نستكمل تلك العلامات أو المعايير بما يلي: وصف أهل الكتاب من المواطنين بأهل الذمة، وفرض الجزية عليهم، مقابل إعفائهم من الخدمة العسكرية؛ تخيير بقية أصحاب الأديان أو المذاهب الأخرى بين الإسلام أو السيف (الموت)؛ قتل المرتدين من المسلمين عن الإسلام بالسيف، على الرغم من قوله تعالى: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ..." (الكهف، الآية 29)، وإن أدى ذلك إلى منع الدعوة للإسلام في البلاد الأجنبية؛ إقامة الحسبة أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوكيل البوليس الديني الحامل للعصا أو الكرباج الرقابة على الأسواق والأسعار والزي واللباس والعبادات والسلوك، فالدولة الإسلامية، بنظر الإسلامويين، لا تقبل تفسير الأمر بالمعروف بمعنى احترام حقوق الإنسان، والنهي عن المنكر بمعنى النهي عن انتهاكها، ولا تعترف بالمصطلح (حقوق الإنسان) لأنه مستورد؛ استبدال الزكاة بالضرائب، ولأنها لا تكفي لتغطية متطلبات الرعاية الصحية تجتهد الدول الإسلاموية لفرضها على العقار سنوياً؛ إغلاق مدارس البنات، فمكانهن البيت (والحقل)؛ إلغاء الجامعات الحديثة والإبقاء على ما يسمى "الجامعات الإسلامية" (القديمة) بعد "طلبنتها أو دعوشتها"؛ منع الاختلاط بأشكاله وصوره كافة، مدنياً وأمنياً وعسكرياً. 
وربما تخصص الدولة يوماً للنساء وآخر للرجال للتجول، أو على فترتين صباحية للرجال، ومسائية للنساء أو العكس؛ منع النساء من التردد على عيادات الأطباء الذكور وإجراء عمليات جراحية لهن؛ منع النساء من العمل كمضيفات جويات أو أرضيات والسفر من دون محرم، ومنع صدور جوازات سفر وهويات بالصورة؛ منع النساء من ارتداء الملابس الغربية جملة وتفصيلاً، وقصر ملابسهن على السواد والحجاب والخمار والبرقع والوصواص؛ خفض سن زواج الفتيات إلى التاسعة من العمر، اقتداء بعمر السيدة عائشة أم المؤمنين حين تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ جعل تعدد الزوجات هو القاعدة، والزوجة الواحدة هي العيب؛ استعادة عصر الجواري والإماء والغلمان وأسواق النخاسة وإحياء الفكر الخاص بهم؛ قصر الظهور التلفزيوني والإذاعي على الرجال، فالمرأة عورة وصوتها عورة، وقصر المسلسلات وما في حكمها على الذكور فقط؛ منع الرجال كذلك من ارتداء الملابس الأجنبية وقصر ملابسهم على الثوب الأبيض القصير واللحية الطويلة العريضة؛ إغلاق الحوانيت والأسواق والمولات، ووقف المواصلات في أثناء صلاة الجمعة، والمناداة بالاسم على المصلين بالميكروفون في كل صلاة وفي كل جامع ومعاقبة الغائبين؛ رجم الزناة في حفرة حتى الموت، مع أنه من شبه المستحيل إثبات الزنا في الإسلام على أحد، لضرورة وجود أربعة شهود شاهدوا بأم العين "المرواد في المكحلة" ذهاباً وإياباً؛ إلغاء الحج بوسائل المواصلات الحديثة، لما فيها من راحة، وقصره على المشي والرواحل لمضاعفة الأجر، فالأجر على قدر المشقة؛ إلغاء جميع المحاكم المدنية والعسكرية، وحصر القضاء بالمحاكم الشرعية؛ إقامة أسواق النخاسة، أي المتاجرة بالبشر من العبيد (السود) والمماليك (أبيض) والإماء (السود) والجواري (البيض)؛ تدمير جميع الآثار غير الإسلامية، والقبور والجوامع والأضرحة المقامة على بعضها، حتى وإن كانت للصحابة.
وكذلك تحريم الفنون كافة؛ منع السياحة الأجنبية في بلاد العرب والمسلمين ما لم يتقيد السياح بالزي الإسلامي، وإغلاق مصانع الكحول ومحلات بيعها وشربها وإن أدى ذلك إلى تهريبها أو صناعتها سراً وفتكها بالشاربين.
هذا بعض ما يعدنا به الإسلامويون عندما ينجحون في إقامة دولتهم. وقد يستغرب بعض القراء ذلك، ويظنون أنه من غير الممكن أو من غير المحتمل لجوء الدولة إليه، مع أنه واضح وقائم ويعملون به أمام العيون. 
وتفسر العقلية الإسلاموية المؤمنة بهذه المعايير، رفض المسلمين للحداثة واندماج المهاجرين منهم في المجتمعات الغربية التي استماتوا للهجرة إليها. لكنني أقول للشاب المسلم المهاجر: تزوج شابة ألمانية أو فرنسية أو بريطانية أو أميركية... لتندمج وتصل. وأقول مثله للشابة المسلمة، لتندمج وتصل. فالعزلة أو التقوقع -عقليةً وزياً- تطيل أمد غربتكم وصدمتكم، ولا تجعل بينكم وبين مجتمعاتكم الجديدة مودة ورحمة، بل هوة وقسوة.
وختاماً أقول: لو كان الأمر بيدي، لأقمت حكماً ثنائياً في كل بلد من بلاد العرب والمسلمين؛ حكما مدنيا ديمقراطيا عَلْمانيا، وحكما إسلامويا، ولخيرت المواطنين بين الاثنين. فمن أراد الأول طُبّقت عليه مبادئ حقوق الإنسان، ومن أراد الثاني طُبّقت عليه الحدود.