متى تنتهي «داعش»؟

كما ظهرت داعش بهذا الحجم فجأة ستنتهي الى جماعات صغيرة فجأة، فهذا الكيان الارهابي الذي ساهمت الاستخبارات والانظمة الدولية والاقليمية في تغذيته حتى اصبح وحشا ذا مطامع توسعية ذاتية، لن يتمكن من الصمود اذا ما قررت هذه القوى ان تضع حدا لحياته القصيرة الدامية، ولا اظن ان الرئيس الامريكي كان يتحدث من فراغ عندما قال ان القضاء على "داعش" يحتاج الى ثلاث سنوات، ولكنني اعتقد جازما ان القضاء على "داعش" لا يحتاج الى اكثر من اشهر.

السنوات الثلاث المذكورة وبطبيعة الحال تحمل في طياتها ملفات ذات علاقة بإعادة رسم خريطة المنطقة بما يحقق توازنات جديدة بين مكوناتها.

حتى نفهم ما يجري علينا ان نعي ان الولايات المتحدة فشلت في ادارة الملف العراقي بما يتوافق مع رغباتها في المنطقة بعد إطاحة نظام صدام حسين، وأظن ان السيل بلغ الزبى لدى الادارة الامريكية من تصرفات الحكومة المركزية في بغداد سواء في عهد المالكي او حتى في عهد حيدر العبادي، فهذه الحكومة لم تستطع ان تخرج نفسها من اطار الطائفية الضيق، واستسلمت لعقلية السيطرة والانتقام من المكونات الاخرى، سواء تلك التي تم تحميلها وزر ديكتاتورية صدام حسين (واتحدث عن العرب السنة) او تلك التي ترفض الانصياع لحكم المركز بالمطلق (واقصد الاكراد)؛ في المحصلة ترى واشطن انها لا يمكن ان تثق في التحالف مع القوى الشيعية التي ترتبط مع ايران بعلاقات استراتيجية متينة مكنت الاخيرة من لعب دور متنفذ في العراق وفي المنطقة بشكل عام، ولم تنجح الضغوطات الامريكية الدبلوماسية والامنية في التأثير في حكومة بغداد لتعيد النظر في صيغة المشاركة السياسية لباقي المكونات العراقية.

في الجانب الغربي من العراق تقع بؤرة توتر اخرى تتمثل في نظام الاسد في سورية، ومن الواضح ان الادارة الامريكية وحلفاءها يرون انه لا يمكن الوصول الى اي حل في سورية طالما بقي الاسد ونظامه على رأس السلطة، فبقاء النظام السوري يعني ساحة اخرى تنشط فيها التحالفات المعادية للمصالح الغربية، وهنا فإن التحالفات اكثر تعقيدا، حيث يرى الامريكان بوضوح مخالب الدب الروسي في سورية، واستعداد موسكو للدفاع عن نظام بشار باعتباره الحليف الاخير لها في المنطقة التي لا تخفي روسيا رغبتها الدائمة في العودة اليها كلاعب رئيسي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

لا تتوقف التعقيدات عند ذلك الحد، فهناك دول اقليمية اصبحت ترفض البقاء في مقاعد المتفرجين وباتت تطمح في لعب ادوار بارزة في المنطقة، فتركيا وايران والسعودية واسرائيل ترى انها الاحق في قيادة الاقليم، ولهذه الدول اجنداتها الخاصة ولم تعد مستعدة للقيام بدور التابع المخلص للولايات المتحدة دون ان تضمن امام تحقيق مصالحها او على الاقل الوقوف في وجه اطماع الدول الاخرى، ولهذا فاننا نشهد حالة من التنافس الحاد بين هذه الدول، تنافس تدور في فلكه دول اخرى كالأردن ومصر وقطر في مشهد معقد من التحالفات والتناقضات.

العامل الاخر المهم ان الجميع شبه متفق على ان المنطقة لا تحتمل ظهور دول مستقلة جديدة، ولذلك فالحديث عن تقسيم جغرافي سواء للعراق او سورية غير وارد، ولكن وكما تشي العديد من المؤشرات فإن النية تتجه الى تقسيم ديمغرافي ذي اثر جيوسياسي بحيث يتم التعامل مع المكونات العرقية والطائفية داخل كل من العراق وسورية بشكل مباشر كأقاليم فيدرالية ضمن الدولتين، وهذا لا يمكن ان يحدث الا بعد تغيير رأس وشكل النظام في سورية. كل ذلك يقودنا الى دور "داعش"، والسيناريوهات التي تتحدث عن ترك هذا التنظيم يتمدد ويتقلص ويضرب ويتراجع في المنطقة الى حين الوصول الى الصيغة اعلاه، اي الخلاص من الاسد وتحجيم الحكومة المركزية في العراق واعادة رسم الخريطة الديمغرافية للبلدين بما يحقق مصالح الفرقاء جميعا، بعد الوصول الى هذه الصيغة سنرى جميعا كيف سيكون القضاء على داعش مسألة غير معقدة وكيف سيتم تحجيم التنظيم ليصبح مرة اخرى مجرد مليشيات متشرذمة لا اكثر ولا اقل، متى سيحدث ذلك، اوباما قال انه بحاجة الى ثلاث سنوات، انقضت نصف المدة وبقي نصفها.