الوفاء بالعهود عند العرب

ليس صحيحًا أن حياة العرب قبل الإسلام كانت كلّها "جاهلية" وإن كان صحيحًا أنه لم يكن يجمعهم دين واحد وإن كانت عصبيتهم بمثابة دين أيضًا.

وفي الفترة القريبة قبل ظهور الإسلام، كانت عند العرب مُثُل وقِيَم وأعراف مُلزمة (محلية وإقليمية ودولية بصيغة هذه الأيام). ومن الأعراف القديمة التي ما زالت نافذة حتى هذه الأيام عدم قتل الرُّسل، والتي تعتبر الآن من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.

ومن القيم التي آمن بها العرب الكرم والحياء وحفظ الجار والوفاء بالعهد.

ومصدر الإلزام هذا كان داخليًا بإرادة حرة بسبب توافق المجتمع آنذاك على ذلك، لأنّه تربّى عليها، وغدت خُلقًا عامًّا عنده، وتحلّى بها، فالتّمسّك بالكلمة مقدّس عند العربيّ. وتمثل الإلزام الخارجي بمعاقبة الخارج على العرف بأن كان يُرفع له لواء في السوق للتّشهير به، وتأديبه على مرأى ومسمع من القوم ليكون عبرة وعظة لسواه، فالالتزام الخُلقي يفرض على العربيّ التّمسّك بالوفاء، وفي ذلك قال "الحادرة" لصاحبته "سميّة"، مفتخرًا بهذه السّجيّة:

أَسُمَيّ ويحكِ هل سمعتِ بِغَدْرَةٍ

رُفِعَ الّلواءُ لنا بها في مَجْمَعِ

إنّا نعفُّ فلا نُريبُ حليفَنَا

ونكفُّ شحَّ نفوسنا في المطمع

ومع مجيء الإسلام أعطى هذه القيم والمُثُل عمقا وسموًا في التقاء المروءة بالإسلام. وفي الحديث الشريف: "إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق". والتتميم لا يكون إلا على شيء موجود، ويحتاج إلى تكميل.

والمُرُوءَةُ: في معجم المعاني الجامع: آدابٌ نفسانيَّةٌ تحمِلُ مُراعاتُها الإنسانَ على الوقوف عند محاسِن الأخلاق وجميل العادات، أَو هي كمال الرُّجوليَّة. ودور المُرُوءَةُ من ناحية الضبط الاجتماعي شبيه بدور التقوى في الإسلام. وثبَّت الإسلام قيمة الوفاء بالعهد.

ومدح الحطيئة آل شمّاس بن لأي بالوفاء بالعهد بقوله:

أُولَئِكَ قَوْمٌ إِنْ بَنَوْا أَحْسَنُوا الْبُنَى

وَإِنْ عَاهَدُوا أَوْفَوْا وَإِنْ عَقَدُوا شَدُّوا

وهذا عنترة، يغضُّ طرفه عن جارته حياء:

وَأَغُضُّ طَرْفِي إِنْ بَدَتْ لِي جَارَتِي

حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا

وفيه قال الرّسول الكريم، فقال: "ما وُصِفَ لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة".

ولا داعي لتكرار قصة وفاء السموأل عندما رفض تسليم أدرع "امرىء القيس" التي أودعه إياها وفضّل قتل ولده ولا الخروج عن قيم المجتمع.