رأي في جدل أسئلة "التوجيهي"..!

مجدداً ثار الجدل حول صعوبة أسئلة امتحانات الثانوية العامة الأردنية. وهذه المرة، تركز الاحتجاج على امتحان اللغة الإنجليزية. وكان مكمن الشكوى الرئيسي هو أن واضع الأسئلة لم يأخذها من المنهاج، وإنما استعان بمواقع أجنبية أو ما شابه. ونشر البعض على مواقع التواصل الاجتماعي مصادر وجدوها لبعض تلك الأسئلة، وأشاروا إلى تغيير أسماء الأشخاص فيها فقط ونسخ نص السؤال حرفياً، وهكذا.
في الحقيقة، لن تكون هناك مشكلة في مصدر السؤال إذا كان الطالب يعرف قواعد اللغة المعنية. واللغة معرفة تراكمية يحصلها الإنسان كل حياته، لكنه يستخدم القواعد الأساسية التي يتعلمها في بواكير عمره نفسها لإنشاء تركيبات لغوية غير منتهية. ولذلك، ستعني معرفة الطالب بنحو اللغة في الصفوف الأولى أن يجيب عن أسئلة القواعد التي ستتكرر في كل المراحل. وفي اللغة الإنجليزية، يتركز نحو اللغة على تكوينات أساسية: تصريف الأفعال واستخداماتها الزمنية: الماضي والمضارع والمستقبل وتفريعاتها؛ الجمل الشرطية؛ المبني للمجهول؛ والكلام المنقول. وبذلك، سيواجه المتقدم لامتحان في قواعد الإنجليزية هذه المسائل نفسها، سواء في المدرسة، وفي امتحان الثانوية، وامتحانات الجامعة في أي مرحلة. وبذلك، لن يحتاج الذي يعرف هذه القواعد حتى إلى أي دراسة للقواعد قبل الامتحان.
أما المطالبة بنسخ الأسئلة حرفياً من المنهاج المقرر، فهي أشبه بما يلي: إذا تعلم الطالب عن الفاعل والمفعول في العربية بمثال "ضرَب زيدٌ عمرا"، فإن عليه الاحتجاج إذا سئل في الامتحان عن إعراب جملة "أرسل أوباما رسالةً"، بدعوى أنها ليست من المقرر، وباعتبار أن "أوباما" ليس زيداً الذي تعلم الطالب أنه الفاعل! هل يجوز ذلك؟!
بالمثل، لا ينبغي الاحتجاج على سؤال عن قاعدة "الكلام المنقول" في الإنجليزية، بدعوى أخذ فقرة من مصدر أجنبي وتحويل أسماء جون وماري –مثلاً- إلى أحمد وميسون. ما الفارق إذا تغيرت الأسماء، وما المشكلة إذا كان الشخص في الجملة يتحدث عن عمله في مصنع أو جلوسه في مقهى، ما دامت عباراته تركيبات لغوية تتبع القاعدة؟ بل انه لا يجب استعادة أي شيء حرفياً من المقرر الدراسي حيث يمكن، لأن المنهاج وسيلة للتعريف والتدريب وليس مطلق المعرفة التي يستظهرها الطالب فيختم المعرفة.
المشكلة الحقيقية في جدل الاختبارات ونوعية الأسئلة تكمن غالباً في شيئين: أولاً، نوعية معلم الصفوف الأولى التأسيسية، وفهمه لمادته، وقدراته التوصيلية ونوعية عقليته –انغلاقاً أو انفتاحاً؛ وثانياً، نوعية المنهاج الدراسي ومنهجية التعليم بشكل عام: هل تكون عناصر العملية التعليمية كلها جهداً لتمرين العقل وتعويده على معالجة المشكلات المعرفية أياً كانت، أم أنها تقوم بتأبيد كسل العقل وتعويده "الصم" وتخزين المعلومات التي سيتعثر الطالب إذا ما طُلب إليه أي شيء غير استعادتها؟
مع ذلك، يحق للطلبة وأولياء أمورهم الاحتجاج على طريقة الأسئلة الجديدة فقط لأنها ربما تنزاح عما هيأت العملية التعليمية الطلاب للتعامل معه. سوف يصادف الطلبة الذين تم تعويدهم على طريقة "ردّ البضاعة نفسها بلا زيادة ولا نقصان" صعوبة في التعامل مع شيء جديد –ولو أنه ليس جديداً تماماً وإنما مجرد تنويع على شيء تعلموه. وستظل الشكوى قائمة عند مواجهة طلابنا، بل ومنظومة العقل الاجتماعي السائدة لدينا، بشيء يتطلب مرونة العقل وتشغيل الملكات المنطقية: القياس والاستقراء والاستنباط، من دون أي تدريب على هذه المناورات.
سيكون الأجدى بوزارة التربية والتعليم أن تبدأ من حيث يجب؛ أن تحاول العثور على النقطة المناسبة لكسر الدائرة الشرسة من المعلم والطالب والمنهاج، والبدء منها لإنتاج هذا الثالوث بكيفية تستنير بأفكار الجدلية والنسبية والمرونة وعدم الخوف من الجديد، أياً كان. عندئذ فقط، سيتعامل العقل المتمرس في التفكير المستقل والعارف بطاقاته الخاصة والقادر على استعمالها، مع أي موقف جديد وأي سؤال المختلف، بلا احتجاج.
لن يعمل ذلك على حل سؤال إنجليزية مستعار من موقع أجنبي أو أي مكان فقط، بل هو كفيل بحل المعضلات التي تواجه مجتمعنا ويقف العقل الجامد السائد أمامها بعجز. إننا لسنا في حاجة إلى تشجيع طلبتنا ومواطنينا على إعادة ما حفظوه، وإنما نريدهم أن يعجبوا بالجديد الذي ينشط العقل ولا يغبطه على كسله. يجب أن نسمع شيئاً جديداً، نابضاً ومبدعاً ونافعاً، ويسر الخاطر.