النسور وتحقيق الرقم القياسي

أخبار البلد- جمانه غنيمات

في النقاشات العامة، ثمة سؤال يُعاد طرحه باستمرار: من هو أفضل رئيس حكومة جاء في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني؟
طبعاً، تأتي الإجابات مختلفة؛ بحسب خلفية المجيب، أو العلاقة التي تربطه برئيس الوزراء الذي ينال هذا التقدير، فلا تعتمد الإجابات بالتأكيد على معايير برامجية، لأن هذه الأخيرة مسألة يحكمها أسلوب اختيار الرئيس، والذي لا يأتي إلى الآن من حزب سياسي، ذي برنامج واضح وخطة محددة الأهداف.
بالنتيجة، وبصراحة، يبقى تقييم الحكومات، كما رئيسها، خاضعا للمزاج أو الانطباع والمأمول، تماماً كما هو اختيار رئيس الحكومة، الذي يتم حالياً تبعا لترشيح نيابي، يقوم على توافق على الشخص الرئيس بين أغلبية النواب، وبحيث تتدخل هنا مشاعر الحب والبغض، كما عوامل أخرى متعددة.
لكن طالما أن الشخص المختار وصل "الدوار الرابع"، وتربع على كرسي الرئاسة، فإن ثمة معيارا مهما يأخذه الأردنيون عموماً بعين الاعتبار في تقييم حكومته، مقارنة بنظرائه السابقين واللاحقين، وهو مدة بقائه في دار الرئاسة. وليغدو هذا الأمر أهم بكثير مما تسعى الحكومة إلى إنجازه على مستوى البلد، وإحداث التغيير المطلوب في كثير من الملفات.
صحيح أن د. عبدالله النسور لم يملك برنامجا، ولم يقدمه حزب للمنصب. لكنه أول رئيس وزراء يحصل على الأغلبية البرلمانية قبل أن يتقدم لطلب ثقة النواب، لكن صحيح أيضاً، في المقابل، أن تفاؤلاً ساد مع توليه رئاسة الحكومة؛ نظراً لخلفيته النيابية المعارضة، المستندة إلى رؤية سياسية واقتصادية. وقد كان العنوان الكبير لبداية عمله الحكومي، السعي إلى الإنجاز، وإحداث الفرق الممكن، وبحيث نشطت الحكومة في تقديم برنامج وخطاب شاملين، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
لكن مع مرور أكثر من عامين الآن على وجود د. النسور في "الدوار الرابع"، يبدو أن الفتور قد أصاب دولته، وبالتالي فريقه؛ إذ خفّت الهمة للعمل، وصار التركيز كما يبدو على التفاصيل، لا الملفات الرئيسة. بل ويُنقل أن اهتمام الرئيس صار منصباً في هذه الفترة على قراءة كتب الأدب والثقافة، بعد أن صار همّ الحكومة ككل، شراء الوقت؛ علها تسجل رقماً قياسياً في طول عمرها.
تفسير مساعي د. النسور تحقيق هكذا رقم قياسي، وهو الذي يقترب من ذلك، مختلف الجوانب. فالبعض يرى أن عمر الرجل -أمدّ الله فيه ومتّعه بالصحة والعافية- يلعب دورا في ذلك. فيما يرى منافسو الرئيس أن الاهتمام بالقضايا الكبرى التي تمس البلد، لم يكن يوما حاضرا لديه؛ فعمله بحسبهم يقتصر منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة، على الملفات الإجرائية التنفيذية، بعيدا عن القضايا الاستراتيجية.
وإذا كان محبو النسور ومريدوه، ما يزالون يعتبرونه أهم رئيس حكومة في عهد الملك عبدالله الثاني، لناحية الإنجاز والعمل الحقيقي ملموس النتائج؛ فإن "المحايدين" يؤكدون أنه يبقى أفضل بكثير من بعض الأسماء المطروحة أو تلك التي تسعى لذلك وأن بإمكانه، تبعا لمؤهلاته ومهاراته وخبرته الطويلة، تحقيق أكثر مما فعل خلال السنوات الماضية، بيد أن مشقة العمل وتعقد المسائل بشكل أكبر بكثير مما يظن المراقبون، يؤديان إلى تسلل الشعور بالإحباط، وإبطاء وتيرة العمل.
من حق أي رئيس حكومة أن يطمح إلى البقاء أطول مدة ممكنة في موقعه؛ فليس عيبا العمل على تسجيل رقم قياسي على هذا الصعيد. لكن الخلل الخطير يبدو في أن يصبح المقياس الزمني هو الهدف والغاية الأساس، وبحيث تُرحّل الملفات إلى حكومة مقبلة.
فمثلاً، تمثلت إحدى المعارك الحقيقية للحكومة الحالية في معركة التنوير ومواجهة الفكر المتطرف، بوضع خطة شاملة مدروسة بعمق. لكن الظاهر أن قاعدة "سلم تسلم" ظلت سائدة، باعتبار عدم خوض هذه المعركة هو الأفضل؛ إذ يغلق كل جدل بشأن الحكومة وأدائها. أما على صعيد مواجهة معضلة التنمية وتحفيزها، وهو الملف الثاني الأهم، فقد بقي العلاج المقدم سطحيا، والعمل الحقيقي عليهما مؤجلاً؛ فنجد إدارة ملف البطالة، مثلا، وهو الذي يؤرق المجتمع ككل، بلا خطة تلامس الواقع.
عودة إلى سؤال العامة والنخب بشأن أفضل رئيس وزراء، فأظن أن الإجابة الوحيدة الصحيحة، دائماً، هي: من يُحدِث فرقاً إيجابياً في حياة الناس. أما طول عمر الحكومة، فمسألة ثانوية، لا يذكرها إلا أعضاء الحكومة وحدهم.