فلسفة الأمن الاقتصادي في الأردن

هل كانت أجهزة الدولة تعلم بعمليات الشراء الآجل في البتراء؟ هل تابعت الموضوع وتأخرت في اتخاذ الإجراء الضروري، أم أن تشخيص القضية أخذ وقتا أكثر من اللازم؟ هل وقعت الحكومة تحت وطأة المفاجأة كغيرها من الأطراف؟
عمليا، لا توجد أي مشكلة في الإطار الشكلي للعمليات التي كانت تتم، حيث يشتري صاحب معرض السيارات المركبة من صاحبها مقابل شيكات آجلة، وبسعر يفوق قيمتها الحقيقية، ويقوم بعد ذلك ببيعها نقدا بسعر يقل كثيرا عن قيمتها السوقية، أي أنه يحصل على السيولة بصورة سريعة، بالطبع هذه العملية لا يوجد مدخل قانوني لتجريمها، فلا يوجد أي قانون يحول دون حماية الشخص من الخسارة التي يلحقها بنفسه.
هذه الممارسة سائدة في العديد من الدول ومن قبل فئات اجتماعية معينة وذلك للحصول على السيولة، ولكنها تتم بصورة فردية، ودون أن تتحول إلى ممارسة سوقية واسعة النطاق، ولأن ذلك يدخل في مجال الأمن الاقتصادي فإن تحركا سريعا كان يجب أن يحدث وقبل أن يتسع مجال القضية، وبالطبع تتزايد الأموال التي أصبح مشكوكا في تحصيلها.
المحتجون حاليا هم أصحاب الشيكات الآجلة، وهم كانوا يتمنون أن يفلتوا من هذه اللحظة مثل الآخرين الذين باعوا سياراتهم بأكثر من قيمتها بكثير، وكانوا أساسا مروجين لقضية الشراء الآجل، وأعطوا التجار المتورطين في هذه القضية السمعة من خلال المصداقية التي منحوها لهم في مجالسهم ومشاوراتهم.
نفس قضية البورصات الوهمية تتكرر ولكن بإخراج جديد، ونفس المشكلة الجوهرية وهي تغييب الوعي بين المواطنين تجاه هذه الممارسات، ولنقل أصلا أن سوق عمان المالي الذي يعاني من تراجع كبير ومؤثر في نسب التداول وفي أسعار الأسهم المتداولة كان يجب أن يصبح الجانب المؤهل لاستقطاب هذه الاستثمارات.
الأمن الاقتصادي قضية واسعة ومتشعبة، البنك المركزي يبلي جيدا وبصورة متميزة في المجال الذي يخصه، ولكن الاستقرار النقدي وسلامة القطاع المصرفي ليست وحدها المخاطر التي تتهدد مصالح المواطنين، وإذا كانت ودائع البنوك آمنة فالمطلوب ليس تشجيع المواطنين على مزيد من التكديس للودائع وإنما استثمارها في أجواء آمنة وواضحة.
توجد العديد من الأجهزة التي كان يمكن أن تتدخل، ولكن معظم هذه الأجهزة تفتقد للعاملين المؤهلين في مجال تتبع القضايا الاقتصادية والمالية، وكان السيد سميح بينو تشكى سابقا من نقص هذه الخبرات لدى هيئة مكافحة الفساد، ولنكن واقعيين وصريحين بأنه لا رجال الأمن مهما تلقوا من تدريب، ولا رجال القانون مهما تعاملوا مع قضايا مالية، يمكنهم أن يتتبعوا هذه النوعية من القضايا وأن يتولوا متابعتها وتصنيفها وتوصيفها بصورة صحيحة، وبالتالي التعامل معها بمهنية ووضع الحلول إلى الوصول لإخراج المتضررين بأقل الخسائر الممكنة، والقضايا على هذه الشاكلة تحتاج إلى خبرات وسمات شخصية مختلفة.
المدهش أن بعضا من المتحدثين في الموضوع يرون القضية مرتبطة بغسيل الأموال، وهي أبعد ما تكون عن ذلك، فالقضية كلاسيكية للغاية وتعتمد على تسلسل الأموال الموظفة إلى الدرجة التي لا تستطيع الأموال المتدفقة نقدا من تغطية الإلتزامات الآجلة، وتنتهي بالحصول على الغلة النقدية الأخيرة والاختفاء، وهي تقنية منتشرة في العالم بأسره ولكنها مؤثرة ومتكررة في الدول التي تتسم بضعف الوعي المالي والاقتصادي.
يمكن أن يكون التصنيف أعلاه خاطئا بالمناسبة، لأنه لا أحد من صلاحيته أن يصدر حكمه في المرحلة الحالية سوى الجهات القضائية المختصة، وللحظة فإنه من المبكر توزيع الاتهامات والإدانات، ولكن الحديث منصب على طريقة التعامل مع ملفات الأمن الاقتصادي.