المصلحة الفضلى للطفل في احكام القانون الأردني


لقد صادقت الحكومة الأردنية على اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للامم المتحدة وبدأ نفاذها في سبتمبر عام1990 ؛ وقد انصبت احكام الإتفاقية بمجملها على ضرورة حفظ الدول الأطراف للمصلحة الفضلى للطفل عبراتخاذها التدابير التشريعية والإدارية والإجتماعية الملائمة لحماية الطفل من كافة اشكال العنف أوالضرراوالإساءة البدنية أوالعقلية اوالإهمال والإستغلال ؛

 كما قررت الحكومة الأردنية بموجب مصادقتها على هذه الإتفاقية كغيرها من الدول المصادقة قناعتها بأن الأسرة هي البيئة الطبيعية لنمو ورفاه الطفل وأن الأصل في الاسرة ان تولي الحماية والمساعدة اللازمتين للطفل بسبب عدم نضجه البدني والعقلي ؛ مما يستدعي إجراءات وقاية ورعاية خاصة بالطفولة . وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 2من إتفاقية حقوق الطفل على مايلي " تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أوالعقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم".

 والناظر في نصوص القانون الأردني يجد ان الأحكام الاساسية الناظمة للمحاور الأساسية لحقوق الطفل جاءت متفرقة في القانون الاردني بما يبتعد عن صياغة قانونية متجانسة تحقق الحماية اللازمة لمصلحة الطفل الفضلى؛ فقد وردت احكام اجازة المعاملات المالية من قبل الولي في القانون المدني ووردت احكام التبليغ عن الولادة في قانون الأحوال المدنية ووردت احكام اتباع الطفل لجنسية والده في قانون الجنسية وذكرت احكام الولاية والحضانة في قانون الأحوال الشخصية بينما تم تناول احكام الحماية من العنف والمساءلة الجزائية في ثلاث قوانين هي العقوبات والاحداث والحماية من العنف الأسري . وقد حصر القانون ادارة شؤون الصغير في ثلاث شخوص هم الحاضن في المادة 171 من قانون الأحوال الشخصية والولي في المادة (123) من القانون المدني والوصي ابتداء من المادة 230 من قانون الاحوال الشخصية ؛ ويخبرنا الواقع التطبيقي واروقة المحاكم عن جل من حالات الطلاق والتفكك الاسري فيحدث ان يختلف الابوان مما يوقع الطفل في براثن حقد الابوين وتنازعهما ليصبح ضحية لعنف ابويه اواحدهما ، وقد تجد الحاضن نفسها وحيدة دون الولي لتسيير شؤون صغيرها فيقع الصغير ضحية الإهمال وفي هذه الحالة أجاز القانون للحاضن ان تتخذ صفة الوصي المؤقت بموجب حجة تستصدرها من المحكمة – بحسب قناعة القاضي - تخولها بعض الصلاحيات التي منحت من قبل القانون للولي دونها ؛ وفعليا لا تعتبر اجراءات حصول الحاضن على صفة الوصاية اجراءً مسعفا للمصلحة الفضلى للطفل حال حصول طاريء كونها تتطلب اجراءات كما انه إجراء موقوف على شروط ثلاث هي عدم وجود الولي او عدم معارضة الولي عند وجوده او عدم وجود وصي معين مسبقا من الولي او المحكمة وإلا فلا تستطيع الحاضن استصدار حجة الوصاية ؛كما ان ضيق وقت الإجراء اللازم لحماية الطفل او وقايته من الخطر لا يسعف مصلحة الصغير كإجراء نقله من مستشفى لآخر لتلقي علاج مختص أمام إجراءات اللجوء للمحاكم الشرعية بما يتضمن تقديم المعاملة واحضار الشهود والبينات الخطية ؛

ونضرب على ذلك مثلا يعتبر الأكثر إلحاحا وهو امتناع الجهات الطبية عن الإمتثال لطلب الحاضن لكون الدستور الطبي وواجبات الطبيب واداب المهنة لسنة 1989 تطلبت الحصول على الموافقة القانونية لاسعاف المريض الفاقد لقدرة التصرف ورغم عدم ذكر هذا النص صراحة من هو صاحب الحق لمنح الموافقة على اجراء العملية الجراحية للصغير يتدخل العرف السائد ليقول ان الولي سيد الموقف؛ فيقف عدم وجود الولي او امتناعه عن منح الموافقات اللازمة حائلا دون اسعاف الطبيب للصغير لخوف الجهات الطبية من المساءلات الجزائية من الولي في حال الإخفاق لاسباب طبيعية رغم رجحان مصلحة الصغير في اجراء العملية صحيا كما قضية الرضيع قيس الذي توفي نتيجة تعنت الولي امام الجهات الطبية رغما عن ارادة الحاضن التي اخفقت بإسعافه.

اما بالنسبة للوثائق الرسمية نجد أن المادة 180 من قانون الاحوال الشخصية نصت على حق الحاضن بالاحتفاظ باصل او صورة طبق الأصل على الوثائق الثبوتية اللازمة لقضاء مصالح المحضون إلا ان قانون الأحوال المدنية لم ينص صراحة على حق الحاضن باستصدار وثائق ثبوتية كاستصدار شهادة ميلاد للصغير رغم تصريحه بحق الوالدة على التبليغ عن الولادة مما يعطي وفقا للعرف الحق حصرا بالولي تسمية المولود واستصدار شهادته ؛ اما بالنسبة للملفات المدرسية فقد نصت المادة 184 من قانون الأحوال الشخصية على حق الولي حصرا بإختيار نوع تعليم الطفل دون الحاضن .

ورغم ان قانون الاحوال الشخصية قد حمل من حقوق الطفل العبء الاكبر مع تباين احكام وصلاحيات الحضانة والولاية إلا انه لا يجد من التشريعات المقابلة ما يعزز المصلحة الفضلى للطفل بما يشكل إفتقارا لصياغة قانونية توافقية ؛ مما يضعنا امام مفارقات قانونية وتطبيقية تضيع معها مصلحة الصغير ففي حين نجد قانون الاحوال الشخصية جعل الحاضن ممثلا للطفل لمخاصمة وليًهُ أمام المحاكم الشرعية لتحصيل النفقات الشهرية وغيره نجد أن القوانين الأردنية الاخرى جعلت الولي يستأثر بحق تمثيل الطفل في اماكن الصحة والتعليم والجهات الرسمية . إن مسؤوليتنا امام حقوق الطفل تتطلب منًا اعادة النظر في صياغة تشريعية متكاملة متوافقة والمعايير الدنيا لحقوق الأطفال بالحد الأدنى ويجب ان ترافقها تدابير إدارية جادة للتدخل السريع عند تهديد مصلحة الصغير لتلافي قضايا يومية تقصينا عن براءة اطفالنا .... وتبعدنا عن مستقبل افضل لاجيالنا في كل يوم .
المحامية مرام مغالسة ناشطة في حقوق الإنسان