"إنجليزي التوجيهي" ... ما له، وما عليه



لحظات قليلة بين خروج الطلبة المتمترسين خلف حصون المدارس، والذين ينحتون من الذكريات العالقة في أذهانهم مستقبلهم في قاعات الإمتحانات، وما أن وصلوا الى هواتفهم وحواسيبهم، وما أن قابلوا أولياء أمورهم المنتظرين لهم على عتبات المدارس، حتى قامت ثورة كبيرة على مواقع التواصل الإجتماعي، وعبر القنوات الإذاعية والتلفزيونية، عن مادة إمتحان "إنجليزي التوجيهي".

سخط عارم، وغضب كبير، وصدمة شديدة إعترت أفواج الطلبة الذين تعرضوا الى أشكال من الذل والمهانة وخرجوا من الإمتحان وقد إرتسمت عليهم علامات البؤس والإكتئاب، وفاضت الدموع من عيونهم لتغرق مشاعر أولياء أمورهم من حولهم.

فبعد عقد كامل من التسهيلات "الطوقانية" في التوجيهي، والتي جعلت منه "توجيهي على قد الحال"، هبطت في مستوى العملية التعليمية، وضعُفت معها مخرجات العملية التربوية، وأخرجت لنا جامعيون وجدوا من ساحات الجامعات وقاعاتها حلبات للقتال والصراع، وضعُف فيه دور المعلم وسقطت هيبته على عتبات المراكز الخاصة، جاء "جنكيز خان ذنيبات" ليصحح الأمور ويعيدها الى مسارها الصحيح.

نعم، الكل يعلم مدى السقوط المريع لهيبة التوجيهي في الأردن، وما آلت اليه الأوضاع التعليمية الداخلية، وتراجع مستوى الثقة العالمية بمخرجاتها ونوعية خرجيها، وحاجتنا الماسة الى التغيير الجذري في المسار التربوي والتعليمي، ولكن!

هل يتم التغيير بين ليلة وضحاها؟ هل من المعقول أن ننتقل من أسلوب الروتين الممل الذي عشناه على مدى العقد المنصرم في إختيار أسئلة الإمتحان ووضعها، لدرجة أن الكثير من المعلمين أصبح قادراً على توقع الأسئلة ولإقتراح النماذج القريبة منها، الى الأسلوب الجديد مباشرة؟

على سبيل المثال؛ بدأ الأردن قبل خمسة عشر عاماً سلسلة من التحولات الإقتصادية من الشركات المتكاملة رأسياً مثل سلطة الكهرباء الأردنية، وسلطة المياه، وشركة الإتصالات الأردنية وغيرها، الى الشركات المتكاملة أفقياً، ليصبح لدينا أكثر من عشرة شركات للكهرباء، ومثل نصفها للإتصلات، ومثل نصفها الآخر للمياه، وعلى الرغم من ذلك لم تنته تلك التحولات بعد، وما زال مسار الإصلاح الإقتصادي مستمراً.

لماذا لم يتم الإنتباه الى تلك الأمثلة في حالة التحول التعليمي؟ أم أصبح للتعليم في الأردن سلطاناً جديداً بإمكانه رسم مستقبل الأجيال القادمة، وتحويل أحلامها الكبيرة الى هباءً منثوراً؟ لماذا لم يتم الإشارة الى أن هنالك نماذج جديدة للإمتحانات وعرض بعضها للمدارس لتجنب تعريض الطلبة للصدمة داخل الأمتحان؟

على الرغم من إعجابي الشديد بوزير التربية والتعليم الحالي، وعلى الرغم من توجيهي رسالة الى حضرته قبل عام ونصف، أشجعه على ما يقوم به من تصحيح جذري للعملية التعليمة، وضرورة تصحيح الجوانب المختلفة من المدرس الى الإدارة الى الإمتحانات، والتي بدأتُ أجد ثمارها على أرض الواقع، إلا أن ما تم إتخاذه فيما يخص إمتحان اللغة الإنجليزية خرج عن النطاق المطلوب، ودخل في مجال التعجيز.

كل ما أخشاه هو أن تتكرر صدمة إمتحان اللغة الإنجليزية في الإمتحانات القادمة، وما ستكشفه إمتحانات الأيام القادمة هي من سيحدد إن كان إمتحان اللغة الإنجليزية طفرة بين الأمتحانات، أم أن سلسلة التعجيز تشمل جميع المناهج والمباحث.

أيها الوزير الكريم، أرجو أن تعيد النظر في الخطوة الأخيرة والتي بدأت بترميم الهرم القائم من خلال نسفه وإعادة بناءه من جديد، والتي تتطلب القفز عدة خطوات على السلم لينتج عنه السقوط الذريع والإصابات الجمة.

تصحيح الهرم القائم وصيانته تتم بالتدريج، وصعود سلم النجاح يحتاج الى خطوة خطوة، ومشورا الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة فقط.