"التعزيم".. من يدفع الثمن؟

تدل أزمة "البيع الآجل" في لواء وادي موسى، والمعروفة شعبيا بـ"التعزيم"، أن جهاز الدولة الإداري والأمني لم يتعلم شيئا من دروس كارثة "البورصات الوهمية" التي ضربت قطاعات واسعة في شمال المملكة قبل سنوات، وما تزال ملفاتها منظورة أمام القضاء حتى الآن.
عندما ينشأ نشاط تجاري غير قانوني بهذا الاتساع في لواء بكامله، وينخرط فيه مئات الأشخاص من دون أن يتعرض أحد منهم للمساءلة، فإنه يتحول بحكم الأمر الواقع إلى نشاط شرعي في نظر الناس العاديين على الأقل.
هذا ما حدث في وادي موسى، ومناطق أخرى امتد إليها قطاع "التعزيم". عمليات البيع والشراء بدأت قبل ثلاث سنوات على نطاق ضيق، ثم كبرت وتوسعت، من دون أن تثير اهتمام محافظ أو حاكم إداري أو مدير جهاز أمني، لا بل إن موظفين كبارا في جهاز الحكم المحلي استثمروا في عمليات "التعزيم".
المواطنون العاديون في الغالب، لا يتمتعون بالحد الأدنى من الثقافة القانونية، وتحركهم الرغبة في الربح وجني الأموال، بصرف النظر عن قانونية النشاط من عدمه.
ولهذا كانت ردة الفعل الغاضبة على تدخل أجهزة الدولة المتأخر على خط الأزمة، والتي وصلت حد إعلان الإضراب العام في اللواء.
لم يسبق أن أقدمت منطقة في الأردن على هذا الأسلوب الاحتجاجي في وجه الدولة، وفي قضية تتوفر فيها كل أركان جرائم الاحتيال والنصب.
لا يريد المواطن الغلبان الذي وضع تحويشة العمر بيد تجار "التعزيم"، أن يصدق أنه وقع ضحية عملية احتيال. ولهذا، وقفت الأغلبية في وجه الحكومة عندما لجأت إلى القضاء، والذي بدوره حجز على أموال أصحاب معارض "التعزيم".
إنها مفارقة تبعث على الأسى، وتصور حالنا البائس؛ مواطنون يساندون المتهمين بالاحتيال، ويعارضون تدخل القضاء لتدارك الكارثة.
كان بالإمكان أن لا نصل إلى هذا الوضع، لو أن أجهزة الحكم المحلي تنبهت مبكرا، وطوقت الظاهرة وهي في مهدها.
لكن، ليس كافيا أبدا القول: "شو بدنا نسوي.. هذا إللي صار". يتعين على الحكومة تشكيل لجنة تحقيق على الفور، لتقصي حقيقة القصة من بدايتها، والاستماع لأقوال المسؤولين في المحافظة واللواء، والشهود من أبناء المنطقة؛ ومراجعة المراسلات بين المسؤولين في المحافظة والمركز في عمان، للنظر فيما إذا كانت هناك تقارير قد أرسلت بخصوص القضية في وقت مبكر، وردود الحكومة عليها، إن كانت هناك ردود أصلا.
لا يجوز ترك المسألة هكذا من دون محاسبة؛ فهناك لواء بحاله يعلن العصيان على الدولة، ويرفع سكانه الرايات السود على منازلهم ومحالهم. والحالة إن استمرت من دون إجراءات رادعة، قد تتوسع لتشمل مناطق أخرى.
إن أخطر ما في مشكلة وادي موسى، فقدان أهلها ثقتهم بمؤسسات الدولة وقدرتها على تحصيل حقوقهم، ما يدفعهم إلى الوقوف في صف من نهبوا أموالهم.
الواقعة برمتها تدلل على أننا لم نغادر مرحلة تأسيس الدولة؛ حين كان المؤسسون الأوائل يكافحون من أجل فرض سلطة القانون على "ولاياتها" المفتتة.
العقاب بحق المقصرين ينبغي أن يكون بحجم الضرر الذي ألحقته المشكلة بصورة الدولة؛ دولة القانون.