وثيقة الزرقاء الوطنية ماذا بعد ؟
قدمت وثيقة الزرقاء الوطنية رسالة اكبر من محتواها بكثير،مع إعجابي وتوقيعي لمحتواها، حينما جمعت الأردنيين من شتى مناطق الأردن، على ورقة إصلاح حظيت بتوقيع من1200 من الناشطين السياسيين والنقابين، والاجتماعيين من سكان المحافظة ، ليشكل التجمع لوحده رسالة مهمة جدا أن الوحدة الوطنية بألف خير .
الزرقاء هي مدينة التعايش والتآخي ، لأنها تجمع مئات إن لم يكن الآلاف للأصول المتنوعة، والتي تتناغم مع بعضها البعض، اجتماعيا وحتى سياسيا، وهذا ما تدل عليه نتائج الانتخابات، ونموذج موسع لمجتمع الطبقة المتوسطة والفقيرة وشبه الغنية، ونسبة كبيرة جدا من اليد العاملة ، لذا حينما تخرج وثيقة موقعة من هذا النسيج من المؤكد أنها تعبر عن إرادة الشعب الأردني في إصلاح واقعي لا يتنافى مع الولاء المطلق للعرش الهاشمي.
وتمكنت الورقة من جمع هذا العدد الكبير لتثبت أن الأردنيين يدا واحدة وهمهم الحفاظ على الوطن وعلى إخلاصهم للهاشمين بالولاء العملي ،ويد العون بمحاربة الفساد،وتخليص الوطن من الشوائب، فلا يوجد أي خلاف بين النقاط الثلاث، حتى نحافظ على استمرارية العيش الكريم والهدوء السياسي الذي لا يمكن أن يسير إذا تفشى الفساد والفقر.
برأي الشخصي أن الوثيقة صنعت تاريخا جديدا في المحافظة إن استمرت ولم تكن شكلية، فذلك الجمع المميز،استطاع بفترة قصيرة أن ينجز مطالب الإصلاح ويقدم إشارة مهمة جدا، إلى الحوار السياسي الدائر في الأردن أن مطلب الملكية الدستورية ليس مطلبا شعبيا، بل رأي خاص لبعض الأحزاب، الطامعة في الكراسي والمناصب، والرقم الكبير جدا الذي وقع على الورقة رفض أي تقليل من صلاحيات الملك، وقدم رؤية شعبية من محافظة مهمة جدا حول مطالب الإصلاح الأساسية.بعيدا عن مصالح حزبية أو شخصية أو استقواء على الدولة ضمن الظرف السياسي العربي.
من يتمعن في اسماء الموقعين، يجد اختلافا في الأصول والعمر بل والتوجهات السياسية، فخلت من أي مرجعية حزبية، أو جغرافية، لتنقد كل الإشاعات التي ظهرت بالفترة الأخيرة ،ولتثبت أن الزرقاء هي عاصمة الوحدة الوطنية، ولم تدخل الوثيقة أي مطلب خيالي أو مبالغ فيه، بل بقيت ضمن المطالب التدريجية، حسب نظرية الأولويات ومن ثم الانتقال إلى غيرها.
فكرة الوثيقة بدأت في بيت المهندس عماد المومني والذي طرحها كابن الزرقاء ، وليس من خلال منصبه السياسي، كرئيس مجلس محافظة الزرقاء لحزب الجبهة الأردنية الموحدة، بل وثيقة اجتمع عليها وإياه مجموعة تقترب من 40 شخص ، واتفقوا على تشكيل لجنة صياغة لأهم ما تناقشوا به في الجلسة، والتي أظهرت توحد فكرة الإصلاح والولاء والتي سبحان الله شكلت سؤال الأزمة السياسية عندما لم يتعامل بعض المعتصمين وأصحاب المسيرات بنفس العقلية.
بعد عدة أيام كانت جلسة مناقشة مسودة الوثيقة، والتي نالت جدل امتد لساعات طويلة، توصل بها المجتمعون إلى الصياغة النهائية،واتفقوا على تحمل المصاريف بشكل شخصي ، دون تلق أي دعم من خارج اللجنة التحضيرية، وذلك لسد نفقات الاجتماع العام.
ونجحت الوثيقة واجتماعها بشكل كبير جدا، وظهر أنها وثيقة متزنة وعقلانية، تنقل فكرة الولاء بالعمل، وحمل صوت الشارع الزرقاوي، ومطالبيه في الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية دون تقليل ولا تضخيم، جمعت كل ما قيل من قبل ، بفلترة سياسية راعت طاقة الوطن وقدرته وإمكانيته، وتركيبته الاجتماعية،دون تصفيق اعمي ولا استغلال للظروف الخارجية، فالأمر ليس ثورة، بقدر مطلب يريده جميع الفرقاء .. ملك متفق عليه، حكومات مقصرة، وفاسدة اهلكت الميزانية والعباد,
واقسم من خلال متابعتي للجلستين الأوليتين، أن لا علاقة حكومية ولا جهة أمنية ولا حتى حزبية، تدخلت أو وجهت الوثيقة، بل مثلما اجتمعوا على كتابة الورقة من خلال نقاش جماعي ، وتم تعديل أيضا على طريقة الشورى، كانت الدعوة والعمل بنفس شعبي اخوي همه الخروج من مأزق الفساد، والاضطراب، وتوحيد المطالب، وتحملوا التعب والمصاريف التي جمعت حسب قدرة المشاركين في اللجنة التحضيرية، وكل هذا أمام عين الجميع، لذا تعد أول وثيقة تشاركية مستقلة، شعبية في الصياغة والإعداد والمصاريف خرجت عن الحزبية والتوجيه الأمني والحكومي وبقيت في صوت الشارع.
الوثيقة صيغت من أصحاب خبرة سياسية طويلة، وزاد عدد الموقعين عليها عن ألف و مائتي توقيع كأقل حد، لذا يجب أن تستمر في نجاحها من خلال توجيه نسخة إلى الديوان الملكي، ورئاسة الوزراء ولجنة الحوار الوطني، حتى يكونوا على معرفة برؤية أهل المحافظة وليس التوجه فقط للأحزاب.لاستقراء مطالبهم فالزرقاء لا يمثلها حزب واحد أو عشيرة واحدة.
ويجب أن تعاد جلسات الملتقى كل ثلاثة أشهر للحوار حول مستجدات المحافظة التي أرهقها التدخل والتزوير ، ويكون مشوار الوثيقة بداية لمسيرة إصلاح ورقابة من قبل أبناء المحافظة، وعدم الارتكاز إلى من تعينهم الحكومة والمخابرات كممثلين للمحافظة ، مما أنهك السكان ، حينما كانت تؤخذ المصلحة الخاصة على العامة.
كتابة وثيقة وتجميع إلف وإلفي شخص ليس بالأمر السهل وليس بالمعقد أيضا ولكن المهم أن تحقق ثمارها، وتعبر تطبيقا عن إرادة الأغلبية في المحافظة، وتستمر في معالجة ومراقبة ما أقرته من أخطاء سابقة ، أدت إلى انفجار عربي فمهما اختلفت البلاد العربية ظل مطلب المواطن موحد ، يرفض سرقة أمواله من المسؤولين والفساد بشتى أنواعه وحرية التعبير المنظمة والسماح بالحياة السياسية الكريمة... ووفق الله كل من عمل في هذه الوثيقة ويبقى السؤال ماذا بعد؟