الدروز أو الموحدون أو بنو معروف

تحيط بالدروز معلومات وأفكار وأوصاف كثيرة، متعددة المصادر والدوافع، تجعلهم مجموعة غامضة. لكن المؤكد أنهم إسماعيليون، ينتمون إلى قبائل عربية عريقة استوطنت المنطقة، مثل لخم (المناذرة) والتنوخيين، والمعنيين (نسبة إلى معن بن زائدة)، من عمرو بن ربيعة، وبني هلال بن عامر، وبني كلب وطي وفزارة. وقد اعتنقت نسبة من هذه القبائل، في فترة من الزمن، الإسماعيلية؛ كما اعتنقت فئة أخرى الشيعة الاثنا عشرية، والسُنّية، وبعضها ظل مسيحيا كما كان منذ القرن الثالث والرابع الميلاديين.
تعرضت الإسماعيلية إلى حملة تشويه منظمة ومزدوجة، بسبب العداء مع الشيعة الاثنا عشرية ومع الدولة العباسية في فترة من الزمن، عندما استطاعت الإسماعيلية إنشاء دولة كبيرة ممتدة، استولت على شمال أفريقيا ومصر والشام (الفاطميون). وانقسم الشيعة بعد وفاة الإمام جعفر الصادق العام 765م، بين أتباع الإمام إسماعيل بن جعفر (الإسماعيليون)، والإمام موسى الكاظم بن جعفر (الإثنا عشرية).
يؤكد الدروز أنه لا علاقة لهم بالداعية الدرزي؛ وهو أحد دعاة الإسماعيلية المتطرفين والخارجين على الإسماعيلية، وأن تسمية "الدروز" ألصقت بهم زورا، لأسباب عدائية وللإساءة إليهم. ويؤكدون أنهم مسلمون شيعة، ويفضلون أن يسموا مذهبيا "الموحدين"، ونسبا "بني معروف".
لكن يبدو أنهم استقلوا بأنفسهم بعد الانقسام الإسماعيلي، والأحداث العاصفة التي مرت بهم؛ دولتهم وإمامتهم. ويعتبرون الخليفة الفاطمي الحاكم إمامهم، ولم يتابعوا إماما بعده، وصارت لهم قيادة روحية مستمدة من اتباع إمامة الحاكم، ومن قبله من أئمة الإسماعيليين. وقد طرحت مسألة عودتهم إلى الإمامة الإسماعيلية الآغاخانية، عندما أعادت اتصالها بالإسماعيليين في سورية. لكن يبدو أنهم ظلوا مستقلين، أو لم يعلنوا انضمامهم إلى الإمام الآغا خان.
وتأثرت الدعوة الإسماعيلية ومعها الموحدون، مثل اتجاهات سُنّية، بالفلسفة والتصوف. لكن الطبيعة المغلقة للمجتمع الدرزي، والسرية التي أحاطوا بها أنفسهم ومذهبهم، جعلتهم أكثر ثباتا وأقل تغيرا في أفكارهم وسلوكهم ولغتهم ومظهرهم. فما يبدو اليوم وصفا درزيا، يخص الدروز كان في واقع الحال اتجاه وحال نسبة واسعة من العرب في مذاهبهم وأفكارهم وثقافتهم وأسلوب حياتهم، ولكن العرب السُنّة في انفتاحهم على العالم تغيروا كثيرا، وصاروا يحسبون ما كانوا هم عليه ثقافة وفكرا درزيا. وقد زادت السرية الدرزية الأوهام والظنون حولهم، ولكنهم بدأوا في الفترة الأخيرة يقدمون ويوضحون أنفسهم.
السرية الدرزية لم تكن تخصهم وحدهم، فهي أسلوب وثقافة عربية وآرامية راسخة في الوعي والسلوك، أضاف إليها الخوف والنزاع أبعادا دينية بل وقداسة. وتغير العرب وتخلوا عن السرية، لكن الدروز ظلوا متمسكين بالسرية كمبدأ ديني ورمزي، كما تمسكوا بأشياء أخرى كثيرة.
ومن الشخصيات الدرزية الفكرية والسياسية المهمة في الفضاء العربي والإسلامي، الأمير شكيب أرسلان (1869-1946)؛ وهو شاعر ومفكر، كما هو مناضل وقائد سياسي، ينتسب إلى الملك النعمان بن منذر، ومن كتبه: "تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط"، و"الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية"، وترجمة لرواية "آخر بني سراج"، تأليف الكونت دي شاتوبريان، و"السيد رشيد رضا، أو إخاء أربعين سنة"، و"شوقي، أو صداقة أربعين سنة"، و"لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟"، و"بيوتات العرب ولبنان". وكان في مكتبته الخاصة أكثر من 24 ألف مخطوط، وأضعافها من الكتب المطبوعة، وهو جد وليد جنبلاط لوالدته.
وهناك أيضا الأمير حسين بن فخر الدين المعني (1627-1697)، مؤلف كتاب "التمييز". وقد نشأ في قصر السلطان العثماني، وعمل سفيرا للدولة العثمانية، ووالده الأمير فخر الدين شخصية مهمة ومؤثرة في تاريخ المنطقة.
الدروز (لم يعد ممكنا الفكاك من التسمية التي لا يحبونها) كما يرون ويقدمون أنفسهم، مسلمون. وهم وإن كانوا تاريخيا إسماعيليين، إلا أنهم اليوم مستقلون.