الملكية الدستورية بين لهب الاسلاميين وشجب الحكومة

غدت مقولة "الرجوع إلى دستور سنة 1952" هي المقولة الرئيسية التي تلتف حولها جميع

الطبقات الشعبية والأحزاب السياسية بالإضافة إلى النقابات والحركات الشبابية في

الساحة الأردنية المعاصرة، والملفت أن هذه الخطابات ظهرت في فترة تعج فيها الساحة

العربية بالثورات التي ألبها المواطنون والإصلاحيون في الوطن العربي ، بالإضافة إلى أن طرح

الملكية الدستورية كان منحصرا في أوقات سابقة عند طبقة معينة، تُعنى بالأصلاح مثلما

تُعنى بظرورة دمقرطة النظام الاردني عبر تصعيد التعددية السياسية وتداول السلطة مقابل

تحجيم الصوت الواحد والأراء الفردية التي لا تلاقي صداقها الشعبي ولا إمتدادها الوطني.

الذي يلح على ضرورة التحول نحو الملكية الدستورية في هذه الفترة التي تشهد قيامة

عروبية جديدة في انحاء الوطن العربي كافة، هم الاسلاميون, فقد أكد الدكتور ارحيل الغرايبة

قبل أسابيع على أن الديمقراطية الحقيقة تقوم على الملكية الدستورية ، وهنا باعتقادي مربط

الفرس، وعُقدة جحا التي تتطلب تفكيكا لهذه المقولة ، وخصوصا أذا ما أخذنا بعين الاعتبار

طاقية الاخفاء الكبيرة التي تخفيها هذه المقولة من الناحية الأيدلوجيا ...

 فالملكية الدستورية، من منظور الفكر حصرا ، لا من جهة السياسة قصرا ، ليست أيدلوجيا

خلاصية تتيح لمعتنقيها الدخول في جنات ارضية ما بعدها جنات ، فالملكية الدستورية لها

ثقافتها, ولها مؤسساتها ، التي تفرزها على المدى البعيد ، وعبَر عمليات أشباع بطيء

لحركة التاريخ كما يقول فرانكلين باومر، فأن يتم تصوير الملكية الدستورية على أنها خلاص

الأردنيين الوحيد ، وأنهم لو تحولوا نحو هذا الفردوس فأن الديمقراطية ستنزل عليهم من

السماء لتبارك لهم عملهم ، لهو ضرب من التجذيف على الديمقراطية نفسها ، بل على

النظام السياسي الأردني ، بكل ما تحويه هذه الكلمة من معنى ..

 

لم تعتنق الحركة الأسلاموية هذا النهج وهذا المنطلق ، بل هذا الذي أرتفع عندهم الى

مستوى شرط , إلا في فترة مبكرة نسبيا ، وخصوصا بعد التظاهرات التي ألبوها وسط

العاصمة عمان في جو يفيض بإشعاعات عبثية ولا منطقية ، فالمتتبع لمسيرة الإخوان في

الأردن يجد أن التصعيد لا يأتي إلا ومصاحب لأزمة ما ، فالزواج الكاثوليكي الذي تعقده الاحزاب

المعارضة في الأردن  بينها وبين أي حراك شعبوي وطني وعروبي ، إرتفع إلى مستوى

قاعدة وقانون إيمان جديد ، والفكرة الرئيسية التي محَورها منظري الأصلاح، ممن ينتمون

الى جهات المعارضة ، هي فكرة تداول السلطة مرة اخرى ، وفي الواقع فأن مجرد طرح

برنامج سياسي ديمقراطي في الاردن يحتاج إلى صفوة من المفكرين والسياسين

المخضرمين الذين نجدهم عند تخوم الأزمات دائما ، يتهافتون لأصلاح حقيقي , ينجي الأردن

من خطر الوقوع في مهبات الدعاية الأصولية ،ويحتم على السياسة العليا للبلاد إجراء حوار

شامل وواسع مع كافة الأطياف والإتجاهات السياسية والفكرية في البلاد ، فعدم إعطاء

فرصة لسيد البلاد أن يناقش كافة الأطراف السياسية والإقتصادية , مثلما يحدث الأن من قبل

جماعات معارضة تطالب بتعجيل الانتقال الى الملكية الدستورية خلال اسابيع وايام محدودة,

وليست شهور ، لهو إجحاف بحق البلاد والعباد , فهذه الجهات تتعامل مع سيد بلادها لا

على أنه ملك يخدم مصالح المواطنين ، بل كجلاد لا يعرف إلا ثنائية البندقية والدبابة ، في

زمن جددت فيه البلاد البيعة ومهدت الطريق للعائلة الهاشمية كي تقوم بإصلاح حقيقي ينبع

من عقيدة وإيمان توارثته هذه العائلة جيلا عن جيل  وكابرا عن كابر ....