فرحة عربية بنتائج الانتخابات التركية !

فرحة شريحة من الساسة والمثقفين والاعلاميين العرب ،بتراجع حزب «العدالة والتنمية» التركي، فاقت ابتهاج أحزاب المعارضة التركية بالنتائج التي حققتها،فرد الفعل العربي وصل حد التشفي ، بما أسموه سقوط أحلام « السلطان أردوغان «، لأنه كان يسعى لتكريس» ديكتاتوريته» بتحويل نظام الحكم الى رئاسي على الطريقة الأميركية.

التفسيرات العربية استندت في معظمها الى تفسير رغائبي سطحي ، بربط النتائج بسياسة تركيا الخارجية، إذ غالبا تكون توجهات الناخبين في الدول الديمقراطية منصبة على القضايا الداخلية، فرغم الانجازات الاقتصادية الضخمة والاستقرار السياسي النادر تحت حكم العدالة والتنمية ،تبقى الحاجة الى التجديد قائمة ، فبقاء حزب واحد في الحكم لمدة 14 عاما متواصلة يقود الى الترهل وربما الغرور.
الجديد هو دخول «حزب الشعوب الديمقراطي» المؤيد للأكراد ، البرلمان لأول مرة بما يقارب 80 مقعدا ، كانت على حساب «العدالة والتنمية»، ويحسب لحكومة أردوغان أنها أوصلت الحزب الكردي الى هذه النتيجة ،من خلال العملية السلمية التي بدأتها لحل المشكلة الكردية ،والسماح بتأسيس الحزب عام 2012 ليعمل بطريقة سلمية ،واللافت أن» نسبة الشواذ والمتحولين جنسيا ،يشكلون 10% من مكونات الحزب».
ربما غاب عن أذهان البعض ،أن سببا رئيسيا لتراجع حصة «العدالة والتنمية»، كان الأزمة التي حدثت مع « حركة الخدمة » ومرجعها فتح الله غولن، أسماها اردوغان بـ «الحكومة الموازية»، إذ كان أنصار هذه الحركة ، خزان انتخابي للعدالة والتنمية ،وقد أسميتها في مقال مطول قبل سنوات بـ «دولة فتح الله العابرة للقارات» بفعل ما تمتلكه من إمكانات مالية وحضور داخلي في مختلف القطاعات ،وخاصة التعليمية والاقتصادية والاعلامية ، بالاضافة الى تمددها الخارجي عبر إقامة مئات المدارس ،وأنشطة اقتصادية متعددة في دول كثيرة.
«ثقافة الفوز التسعينية « تخيم على السلوكيات العربية، التي لم تتعود على ممارسة ديمقراطية حقيقية،فالنسبة التي حصل عليها العدالة والتنمية «41 بالمئة» يعتبرونها هزيمة ،رغم أنه حافظ على المرتبة الأولى في البرلمان ،وتجاهل «المتشفون العرب» قبول الحزب بهذه النتائج واحترامه لارادة الشعب التركي ، ولم يفكر اردوغان وحكومته بتزوير النتائج أو إنكارها ، على طريقة الديكتاتوريات العربية. المبتهجون العرب ينطلقون من مواقف عدائية مسبقة لسياسات تركيا الخارجية، وهؤلاء ينحصرون في النظام السوري وأنصاره ،بسبب مواقف تركيا المناهضة لنظام الأسد ، ويغفلون حقيقة أن اردوغان يعتمد على صناديق الاقتراع والقبول بنتائجها في بلاده، يقابله وصول الاسد الى الحكم بالوراثة ، ويرتكب مجازر وعمليات تشريد وتدمير بحق شعبه وبلده.
الاعلام المصري احتفى أيضا بالنتائج ، ردا على مواقف اردوغان المناهضة للتغيرات التي حصلت في مصر منذ عام 2013، وكان التشفي والابتهاج أيضا واضحا في ردود فعل ايران واتباعها العرب ،في العراق وسوريا ولبنان واليمن ،بسبب رفض تركيا لتدخلات ايران في تلك البلدان المنطلقة من مواقف طائفية.
والمفارقة العجيبة أن الفرحة والتشفي امتدت الى اسرائيل ،وعكستها التغطية والتعليقات الصحفية وتصريحات بعض النخب السياسية وأبرزهم شيمون بيريس ، الذي قال أنه «سعيد بخسارة» اردوغان ،فيما رأى آخرون أن النتائج « تحد من قدرة اردوغان على صياغة سياسة اقليمية معادية لاسرائيل « ! كما نقلت صحيفة ايديعوت احرنوت عن خبراء اسرائيليين تأكيدهم» ان الأكراد والقوميين الترك كانوا شركاء في انتقاد موقف اردوغان تجاه اسرائيل ،وانهم كانوا يرون ضرورة التقارب مع تل ابيب «.
ومنذ أقيمت اسرائيل كانت علاقاتها متميزة مع تركيا، ولم يحدث تبدل في هذه العلاقات الا خلال حكم «العدالة والتنمية» ، والدلائل كثيرة لعل أهمها مواقف تركيا القوية الرافضة للحروب الاسرائيلية على غزة ،ومطالبتها المستمرة برفع الحصار وتقديم المساعدات للقطاع، يخطيء من يظن أن أي تغيير في السياسة الخارجية التركية ،بفعل نتائج الانتخابات سيكون لصالح العرب ،بل سيكون باتجاه تعميق العلاقات مع اميركا واسرائيل ، فتركيا لم تمتلك قرارها المستقل، سوى في ظل حكم العدالة والتنمية ،وقبل ذلك كانت دائما تابعا للسياسة الأميركية.