راية الدولة العربية الهاشمية

شغلت المراسم غير العادية لتسليم الملك الراية الهاشمية للجيش العربي المراقبين هنا في الأردن وفي العالم العربي , لكن ردود الفعل من خارجه لا تكاد تذكر ومرد ذلك هو أن ردود فعل العواصم الغربية غالبا ما ترتبط بقراءة الأحداث التي تلي ذلك.
الحدث لا شك اثار انتباها واسعا وفتح الباب لسيل من التساؤلات والتكهنات حول ما يريد أن يقوله الملك، وما هي الرسالة التي يريد الأردن أن تصل ولمن ؟.
رايات كثيرة رفعت في المنطقة العربية منذ أهلكها ربيعها الذي أغرقها في مستنقع الدم بدلا من حدائق الورود الموعودة , على أن هذه الرايات كانت ولا تزال مفرقة لا جامعة , وكما رفعها الخوارج في عصرهم الأول ها هم خوارج هذا العصر يرفعون راياتهم السود وهي ذاتها التي حذرتنا منها الروايات الصحيحة والأحاديث المنقولة عن النبي العربي الهاشمي»إذا خرجت الرايات السود فإن أولها فتنة وأوسطها ضلالة وآخرها كفر».
المنطقة العربية تموج اليوم في بحر من الظلمات , هذا هو الوصف الأكثر دقة لما يحدث , وبين ظلمات الأفكار والرايات , يتجلى التباين الواضح حد الإختلاف بين دوافع الإقتتال فيها , بين أنظمة تدافع عن وجودها في معركة لا تكترث فيها لمخاطر الأفكار التي تختبئ في ظلال الرايات المرفوعة فيها , وبين أخرى وجدت فيها فرصة لا تفوت لإستدعاء ثارات قديمة لم تدفن الإختلاف المذهبي الذي ما حل في مكان الا وتغمس بالدم والقتل والترويع.
لم تتوحد جبهات المعارك ضد التنظيم الأخطر « داعش « تحت راية جامعة , فكان لكل الفرقاء مذهبه في القتال , وهو بلا شك كان وسيبقى من أهم مصادر قوة هذا التنظيم وسر إلتفاف بعض العراقيين السنة حوله وكثير ممن إكتووا بنار الطائفية المختبئة في عباءة الحزب الواحد في بلاد الشام. هل من راية جامعة تعيد تأصيل المعركة على قاعدة العروبة والإسلام الصحيح الموحد ؟.
يكاد يكون الأردن وحيدا في غاياته واهدافه في حرب داعش , والفضل في ذلك كله بلا مواربة للهاشميين , الذين قادوا ثورة العرب , ضد الترك وقد ظللت عباءتهم , العربي من كل الأقطار, السني والشيعي والدرزي والمسيحي , كلهم ذابوا بفوارقهم وإختلافاتهم في أتون العروبة والاسلام وفكرة الدولة العربية الهاشمية.
لا يستدعي الأردن اليوم أحداثا تاريخية مضت بأحلامها وطموحاتها العروبية ,وهو لا يرمي لأن تتوحد الجبهات تحت راية تاريخية لا تخصه وحده بل هي لكل العرب , لكنه يعيد إنتاج الأفكار التي حملت هذه الأحلام والتطلعات والأمال , ويدعو أبناء الأمة على إختلاف مذاهبهم وطوائفهم وأديانهم لإحياء الشعور العربي الإسلامي الصحيح في مقارعة أصحاب الرايات السود ومن إختلف معهم على قاعدة الطائفة والمذهب.
عمـان توأم القدس لم تنكفئ يوماً إن تعلق الأمر بمصير الامة، وها هو قلبها الشجاع يخفق تعصبا لها ولدينها الذي حملته للعالم برحمة وسلام ، وإذ يرفع مليكها راية الشجاعة، ليقول ما يجب أن يقال في اللحظة الحاسمة للاستمرار في الدور التاريخي في محاربة الظلم والتخلف والجهل على تنوع أشكاله عبر التاريخ وفي شكله الجديد وهوالارهاب أيا كان منشأه ليس لضرورات وطنية أردنية، فحسب بل عروبية وقومية ودينية على صعيد آلامة المثخنة بجراح هذا الارهاب الأسود في حربه المفتوحة ضد الامة العربية وثقافتها وأحلامها في الحرية والمدنية ومشروعها النهوضي الذي توج براية الدولة العربية الهاشمية.