حـفــــل عــيـــد الاسـتـقــــلال الباهت


احتفل الأردن رسمياً وشعبياً في شهر أيار الماضي بعيد الاستقلال العزيز على قلوب كل الأردنيين وموضع فخر واحترام لهم سواء لماضٍ تم إنجازه او لمستقبل نسعى إليه، فقد كان قرار طرد غلوب باشا، وإلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية في أوج المد القومي الذي اجتاح العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية ونيل الاستقلال للعديد من البلدان العربية، موضع اعتزاز ولا يزال بالنسبة لنا كأردنيين ولكن إضافة لذلك، ثمة قضايا وعناوين يجهلها البعض أو يتجاهلها، تمت بعد ذلك، لم نكن مرغمين لها وعليها ولكنها عكست الالتزام الوطني والقومي لدى صاحب القرار الأردني، ودفعنا الثمن، ثمن الانحياز الأخلاقي والوطني والقومي لما نرى أنه الحق والصواب وحُسن الاختيار 

فقد اتخذ الراحل الحسين الكبير قراراً في غاية الأهمية والشجاعة العام 1991، بعدم المشاركة في حفر الباطن، وهو قرار يجب أن يُخلد أردنياً وعربياً، لأن القرار الذي مارسه الحسين، استفز الأميركيين وأغضب الخليجيين، لأن الرؤية كانت واضحة لدى الحسين وهي أن الهدف هو تدمير العراق الذي كان يشكل رصيداً وحماية للأردن ومظلة لكل أطراف الشرق العربي، بصرف النظر إن كان يتفق أو يختلف مع السياسات التفصيلية التي كان ينهجها الراحل الشهيد صدام حسين .

أما في العهد الجديد، عهد الملك عبد الله، فقد عمل أيضاً على تجنب المشاركة الأردنية في غزو العراق واحتلاله العام 2003، وكان قراراً شجاعاً خلّص الأردن من محاولات زجه في ذبح العراق وإسقاط نظامه القومي، على الرغم من القطيعة التي كانت سائدة لفترة من الزمن بين الراحل صدام حسين وبين الملك عبد الله، ومع ذلك على الأردنيين قراءة كتاب " فرصتنا الأخيرة " ليعرفوا تفاصيل الصمود الأردني في وجه الضغوط الأميركية والخليجية التي هدفت إلى زج الأردن في احتلال العراق ومشاركته في تدميره مادياً ومعنوياً، وهو قرار لا يقل شجاعة وحنكة عن عدم الذهاب الأردني إلى حفر الباطن، ودفعنا الثمن مرة أخرى .

أما العنوان الثالث فهو استمرار الرفض الأردني في التورط لإضعاف نظام الرئيس بشار الأسد، ودوافع الدولة الأردنية لذلك، إذا لم تكن لأسباب مبدئية في رفض التورط في حروب بينية مع أي بلد عربي، إذا لم يكن كذلك، فالمصلحة الأمنية الوطنية الأردنية هي عدم التورط في إضعاف نظام حزب البعث الحاكم في دمشق، لأن البديل عن النظام غير الديمقراطي هو الانحدار والانقسام والتدمير والتطرف وشواهد ذلك بائنة في الصومال الذي اختفى وفي ليبيا والعراق وها هو اليمن على الطريق، تلك شواهد تستحق المباهاة واحترام الذات، رغم ضيق ذات اليد، وضيق الأفق لدى البعض سواء عندنا أو لدى قطاع من أشقائنا .
حفل الاستقلال الذي أعدته الحكومة كان يفترض في ظل هذه الأوضاع أن يكون في إستاد المدينة الرياضية، أو على الأقل في قصر الثقافة لجمع كل الأردنيين المنتخبين من نواب وأحزاب وجمعيات وأندية ومجالس بلدية ومجالس النقابات المهنية والعمالية والقطاعات الثقافية والأدبية والفنية، ومن الرجال والنساء، ومجالس طلبة الجامعات ومن غيرهم، ليكون حشداً شعبياً يليق بالصمود الأردني في وجه التحديات، لا أن يكون رسمياً مقتصراً على العشرات من أفراد الحكومة والنواب والأعيان وقادة المؤسسات الرسمية، لقد كان احتفال يوم الاستقلال باهتاً، ولذلك أخطأ صاحب قرار الاحتفال بيوم الاستقلال في أن يكون مقتصراً على الرسميين، وكان يجب أن يضم آلاف الأردنيين، ويلتقوا بجلالة الملك ويستمعوا لخطابات رؤساء السلطات الثلاثة، حتى يشعر كافة الممثلين من الأردنيين في أن يكونوا شركاء، لا أن يشعر أي أردني أنه مجرد مراقب لا دور له في هذه المرحلة التي تزداد فيها ومن خلالها التحديات الوطنية الداخلية والقومية المحيطة .
h.faraneh@yahoo.com